responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 9  صفحه : 183

ضيقا.و صار ثقيلا عليه و وبالا،فندم على أخذه،و لم يقدر على رميه،و لم يجد مكانا لوضعه فحمله في السفينة على عنقه،و هو متأسف على أخذه،و ليس ينفعه التأسف.

و بعضهم تولج الغياض،و نسى المركب،و بعد في متخرجه و متنزهه منه،حتى لم يبلغه نداء الملاح،لاشتغاله بأكل تلك الثمار،و استشمام تلك الأنوار،و التفرج بين تلك الأشجار،و هو مع ذلك خائف على نفسه من السباع ،و غير خال من السقطات و النكبات و لا منفك عن شوك ينشب بثيابه،و غصن يجرح بدنه،و شوكة تدخل في رجله.و صوت هائل يفزع منه،و عوسج يخرق ثيابه،و يهتك عورته،و يمنعه عن الانصراف لو أراده فلما بلغه نداء أهل السفينة،انصرف مثقلا بما معه و لم يجد في المركب موضعا،فبقي في الشط حتى مات جوعا،و بعضهم لم يبلغه النداء،و صارت السفينة،فمنهم من افترسته السباع و منهم من تاه فهام على وجهه حتى هلك،و منهم من مات في الأوحال،و منهم من نهشته الحيات،فتفرقوا كالجيف المتنة و أما من وصل إلى المركب بثقل ما أخذه من الأزهار و الأحجار،فقد استرقته،و شغله الحزن بحفظها،و الخوف من فوتها و قد ضيقت عليه مكانه،فلم يلبث أن ذبلت تلك.الأزهار،و كمدت تلك الألوان و الأحجار،فظهر نتن رائحتها،فصارت مع كونها مضيقة عليه،مؤذية له بنتنها و وحشتها،فلم يجد حيلة إلا أن ألقاها في البحر هربا منها.و قد أثر فيه ما أكل منها،فلم ينته إلى الوطن إلا بعد أن ظهرت عليه الأسقام بتلك الروائح،فبلغ سقيما مدبرا .و من رجع قريبا،ما فاته إلا سعة المحل فتأذى بضيق المكان مدة،و لكن لما وصل إلى الوطن استراح.و من رجع أولا وجد المكان الأوسع و وصل إلى الوطن سالما فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة،و نسيانهم موردهم و مصدرهم و غفلتهم عن عاقبة أمورهم.و ما أقبح من يزعم أنه بصير عاقل أن تغره أحجار الأرض، و هي الذهب و الفضة،و هشيم النبت،و هي زينة الدنيا،و شيء من ذلك لا يصحبه عند الموت،بل يصير كلاّ و وبالا عليه،و هو في الحال شاغل له بالحزن و الخوف عليه.و هذه حال الخلق كلهم،إلا من عصمه اللّه عز و جل

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 9  صفحه : 183
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست