responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 9  صفحه : 172

إخوانك،و أحضرت أكفانك فغسلوك،و كفنوك،فانقطع عوادك،و استراح حسادك و انصرف أهلك إلى مالك،و بقيت مرتهنا بأعمالك و قال بعضهم لبعض الملوك،إن أحق الناس بذم الدنيا و قلاها من بسط له فيها،و أعطى حاجته منها،لأنه يتوقع آفة تعدو على ماله فتجتاحه،أو على جمعه فتفرقه،أو تأتي سلطانه فتهدمه من القواعد،أو تدب إلى جسمه فتسقمه،أو تفجعه بشيء هو ضنين به بين أحبابه فالدنيا أحق بالذم،هي الآخذة ما تعطى.الراجعة فيما تهب.بينا هي تضحك صاحبها،إذ أضحكت منه غيره.و بينا هي تبكي له،إذ أبكت عليه.و بينا هي تبسط كفها بالإعطاء،إذ بسطتها بالاسترداد.فتعقد التاج على رأس صاحبها اليوم،و تعفره بالتراب غدا.سواء عليها ذهاب ما ذهب،و بقاء ما بقي،تجد في الباقي من الذاهب خلفا،و ترضى بكل من كل بدلا .

و كتب الحسن البصري،إلى عمر بن عبد العزيز

؛أما بعد،فإن الدنيا دار ظعن ليست بدار إقامة،و إنما أنزل آدم عليه السلام من الجنة إليها عقوبة،فاحذرها يا أمير المؤمنين،فإن الزاد منها تركها،و الغنى منها فقرها.لها في كل حين قتيل،تذل من أعزها،و تفقر من جمعها.هي كالسم يأكله من لا يعرفه،و فيه حتفه.فكن فيها كالمداوى جراحة،يحتمى قليلا،مخافة ما يكره طويلا.و يصبر على شدة الدواء،مخافة طول الداء.

فاحذر هذه الدار الغدارة،الختالة الخداعة التي قد تزينت بخدعها،و فتنت بغرورها، و حلت بآمالها،و سوفت بخطابها،فأصبحت كالعروس المجلية،العيون إليها ناظرة،و القلوب عليها والهة،و النفوس لها عاشقة.و هي لأزواجها كلهم قالية.فلا الباقي بالماضي معتبر، و لا الآخر بالأول مزدجر،و لا العارف باللّه عز و جل حين أخبره عنها مدكر.فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر و طغى،و نسى المعاد،فشغل فيها لبه،حتى زلت به قدمه، فعظمت ندامته،و كثرت حسرته،و اجتمعت عليه سكرات الموت و تألمه،و حسرات الفوت بعصمته.و راغب فيها لم يدرك منها ما طلب،و لم يروح نفسه من التعب،فخرج بغير زاد،و قدم على غير مهاد،فاحذرها يا أمير المؤمنين،و كن أسر ما تكون فيها،أحذر ما تكون لها.فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه ،السار في أهلها غار ،و النافع فيها غدار ضار.و قد وصل الرخاء منها بالبلاء،و جعل البقاء فيها إلى فناء.

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 9  صفحه : 172
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست