responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 8  صفحه : 14

و أما الإرادة

،فإنه إذا أدرك بالعقل عاقبة الأمر،و طريق الصلاح فيه،انبعث من ذاته شوق إلى جهة المصلحة،و إلى تعاطى أسبابها،و الإرادة لها.و ذلك غير إرادة الشهوة،و إرادة الحيوانات،بل يكون على ضد الشهوة،فإن الشهوة تنفر عن الفصد و الحجامة، و العقل يريدها و يطلبها و يبذل المال فيها و الشهوة تميل إلى لذائذ الأطعمة في حين المرض،و العاقل يجد في نفسه زاجرا عنها.و ليس ذلك زاجر الشهوة.و لو خلق اللّه العقل المعرّف بعواقب الأمور،و لم يخلق هذا الباعث المحرك للأعضاء على مقتضى حكم العقل،لكان حكم العقل ضائعا على التحقيق.

فإذا قلب الإنسان اختص بعلم و إرادة،ينفك عنها سائر الحيوان،بل ينفك عنها الصبي في أول الفطرة.و إنما يحدث ذلك فيه بعد البلوغ.و أما الشهوة و الغضب،و الحواس الظاهرة و الباطنة،فإنها موجودة في حق الصبي.ثم الصبي في حصول هذه العلوم فيه له درجتان.إحداهما أن يشتمل قلبه على سائر العلوم الضرورية الأولية،كالعلم باستحالة المستحيلات،و جواز الجائزات الظاهرة،فتكون العلوم النظرية فيها غير حاصلة إلا أنها صارت ممكنة قريبة الإمكان و الحصول،و يكون حاله بالإضافة إلى العلوم،كحال الكاتب الذي لا يعرف من الكتابة إلا الدواة و القلم و الحروف المفردة دون المركبة،فإنه قد قارب الكتابة و لم يبلغها بعد الثانية أن يتحصل له العلوم المكتسبة بالتجارب و الفكر،فتكون كالمخزونة عنده، فإذا شاء رجع إليها.و حاله حال الحاذق بالكتابة،إذ يقال له كاتب،و إن لم يكن مباشرا للكتابة، بقدرته عليها.و هذه هي غاية درجة الإنسانية،و لكن في هذه الدرجة مراتب لا تحصى،يتفاوت الخلق فيها بكثرة المعلومات و قلتها،و بشرف المعلومات و خستها،و بطريق تحصيلها،إذ تحصل لبعض القلوب بإلهام إلهى على سبيل المباداة و المكاشفة،و لبعضهم بتعلم و اكتساب.و قد يكون سريع الحصول،و قد يكون بطيء الحصول.و في هذا المقام تتباين منازل العلماء و الحكماء،و الأنبياء و الأولياء،فدرجات الترقي فيه غير محصورة إذ معلومات اللّه سبحانه لا نهاية لها و أقصى الرتب رتبة النبي،الذي تنكشف له كل الحقائق

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 8  صفحه : 14
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست