responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 6  صفحه : 92

في الأرض،فلا بد أن ينبت و تتفرع عروقه و أغصانه،و يتداعى بعضها إلى بعض.و أحد مهمات المعتزل قطع الوساوس الصارفة عن ذكر اللّه.و الأخبار ينابيع الوساوس و أصولها و ليقنع باليسير من المعيشة،و إلا أضطره التوسع إلى الناس،و احتاج إلى مخالطتهم و ليكن صبورا على ما يلقاه من أذى الجيران.و ليسد سمعه عن الإصغاء إلى ما يقال فيه من ثناء عليه بالعزلة،أو قدح فيه بترك الخلطة،فإن كل ذلك يؤثر في القلب و لو مدة يسيرة و حال اشتغال القلب به لا بد أن يكون واقفا عن سيره إلى طريق الآخرة فإن السير،إما بالمواظبة على ورد و ذكر مع حضور قلب،و إما بالفكر في جلال اللّه و صفاته و أفعاله و ملكوت سماواته و أرضه،و إما بالتأمل في دقائق الأعمال و مفسدات القلوب،و طلب طرق التحصن منها.و كل ذلك يستدعى الفراغ،و الإصغاء إلى جميع ذلك مما يشوش القلب في الحال.و قد يتجدد ذكره في دوام الذكر من حيث لا ينتظر.و ليكن له أهل صالحة أو جليس صالح،لتستريح نفسه إليه في اليوم ساعة من كدّ المواظبة،ففيه عون على بقية الساعات و لا يتم له الصبر في العزلة إلا بقطع الطمع عن الدنيا و ما الناس منهمكون فيه.و لا ينقطع طمعه إلا بقصر الأمل،بأن لا يقدر لنفسه عمرا طويلا،بل يصبح على أنه لا يمسي و يمسي على أنه لا يصبح،فيسهل عليه صبر يوم،و لا يسهل عليه العزم على الصبر عشرين سنة لو قدر تراخى الأجل.و ليكن كثير الذكر للموت و وحدة القبر،مهما ضاق قلبه من الوحدة و ليتحقق أن من لم يحصل في قلبه من ذكر اللّه و معرفته ما يأنس به،فلا يطيق وحشة الوحدة بعد الموت و أن من أنس بذكر اللّه و معرفته،فلا يزيل الموت أنسه.إذ لا يهدم الموت محل الأنس و المعرفة بل يبقى حيا بمعرفته و أنسه،فرحا بفضل اللّه عليه و رحمته.كما قال اللّه تعالى في الشهداء وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ [1]و كل متجرد للّٰه في جهاد نفسه فهو شهيد،مهما أدركه الموت مقبلا غير مدبر[1]فالمجاهد من جاهد نفسه و هواه،كما صرح به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم. و الجهاد الأكبر جهاد النفس،كما قال بعض الصحابة رضي اللّه عنهم:رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، يعنون جهاد النفس تم كتاب العزلة،و يتلوه كتاب آداب السفر،و الحمد للّٰه وحده


[1] آل عمران:169،170

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 6  صفحه : 92
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست