responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 6  صفحه : 175

الذي يضاهي حاله حال النسوة اللاتي قطعن أيديهن في مشاهدة جمال يوسف عليه السلام حتى دهشن و سقط إحساسهن،و عن مثل هذه الحالة تعبر الصوفية بأنه قد فنى عن نفسه و مهما فنى عن نفسه فهو عن غيره أفنى،فكأنه فنى عن كل شيء إلا عن الواحد المشهود،و فنى أيضا عن الشهود، فإن القلب أيضا إذا التفت إلى الشهود و إلى نفسه بأنه مشاهد،فقد غفل عن المشهود،فالمستهتر بالمرئى لا التفات له في حال استغراقه إلى رؤيته،و لا إلى عينه التي بها رؤيته،و لا إلى قلبه الذي به لذته،فالسكران لا خبر له من سكره،و المتلذذ لا خبر له من التذاذه،و إنما خبره من المتلذذ به فقط، و مثاله العلم بالشيء فإنه مغاير للعلم بالعلم بذلك الشيء،فالعالم بالشيء مهما ورد عليه العلم بالعلم بالشيء كان معرضا عن الشيء،و مثل هذه الحالة قد تطرأ في حق المخلوق،و تطرأ أيضا في حق الخالق،و لكنها في الغالب تكون كالبرق الخاطف الذي لا يثبت و لا يدوم،و إن دام لم تطقه القوة البشرية،فربما اضطرب تحت أعبائه اضطرابا تهلك به نفسه،كما روي عن أبي الحسن النوري أنه حضر مجلسا فسمع هذا البيت
ما زلت أنزل من ودادك منزلا تتحير الألباب عند نزوله
فقام و تواجد و هام على وجهه،فوقع في أجمة قصب قد قطع،و بقيت أصوله مثل السيوف فصار يعدو فيها،و يعيد البيت إلى الغداة،و الدم يخرج من رجليه حتى و رمت قدماه و ساقاه، و عاش بعد ذلك أياما و مات رحمه اللّه فهذه درجة الصديقين في الفهم و الوجد،فهي أعلى الدرجات،لأن السماع على الأحوال نازل من درجات الكمال،و هي ممتزجة بصفات البشرية و هو نوع قصور،و إنما الكمال أن يفنى بالكلية عن نفسه و أحواله،أعنى أنه ينساها فلا يبقى له التفات إليها كما لم يكن للنسوة التفات إلى الأيدي و السكاكين فيسمع للّٰه،و باللّه،و في اللّه،و من اللّه،و هذه رتبة من خاض لجة الحقائق، و عبر ساحل الأحوال و الأعمال و اتحد بصفاء التوحيد،و تحقق بمحض الإخلاص،فلم يبق فيه منه شيء أصلا بل خمدت بالكلية بشريته،و فنى التفاته إلى صفات البشرية رأسا،و لست أعنى بفنائه فناء جسده بل فناء قلبه،و لست أعنى بالقلب اللحم و الدم بل سر لطيف له إلى القلب الظاهر نسبة خفية وراءها سر الروح الذي هو من أمر اللّه عز و جل،عرفها من عرفها،و جهلها من جهلها

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 6  صفحه : 175
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست