responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 12  صفحه : 79

ثم اعلم أن العبد لا يكون شاكرا في الحالة الأولى.بمجرد الركوب و الوصول إلى حضرته،ما لم يقم بخدمته التي أرادها الملك منه.و أما في الحالة الثانية:فلا يحتاج إلى الخدمة أصلا.و مع ذلك يتصوّر أن يكون شاكرا و كافرا.و يكون شكره بأن يستعمل ما أنفذه إليه مولاه فيما أحبه لأجله لا لأجل نفسه.و كفره أن لا يستعمل ذلك فيه،بأن يعطله ،أو يستعمله فيما يزيد في بعده منه،فمهما لبث العبد الثوب،و ركب الفرس،و لم ينفق الزاد إلا في الطريق،فقد شكره مولاه،إذ استعمل نعمته في محبته،أي فيما أحبه لعبده لا لنفسه.و إن ركبه و استدبر حضرته،و أخذ يبعد منه فقد كفر نعمته،أي استعملها فيما كرهه مولاه لعبده لا لنفسه.و إن جلس و لم يركب،لا في طلب القرب و لا في طلب البعد،فقد كفر أيضا نعمته ،إذ أهملها و عطلها،و إن كان هذا دون ما لو بعد منه.فكذلك خلق اللّه سبحانه الخلق،و هم في ابتداء فطرتهم يحتاجون إلى استعمال الشهوات،لتكمل بها أبدانهم،فيبعدون بها عن حضرته،و إنما سعادتهم في القرب منه.فأعدّ لهم من النعم ما يقدرون على استعماله في نيل درجة القرب،و عن بعدهم و قربهم عبر اللّه تعالى إذ قال لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنٰاهُ أَسْفَلَ سٰافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا [1]الآية فإذا نعم اللّه تعالى آلات يترقى العبد بها عن أسفل السافلين،خلقها اللّه تعالى لأجل العبد حتى ينال بها سعادة القرب،و اللّه تعالى غنى عنه قرب أم بعد،و العبد فيها بين أن يستعملها في الطاعة،فيكون قد شكر لموافقة محبة مولاه،و بين أن يستعملها في معصيته،فقد كفر لاقتحامه ما يكرهه مولاه و لا يرضاه له.فإن اللّه لا يرضى لعباده الكفر و المعصية،و إن عطلها و لم يستعملها في طاعة و لا معصية،فهو أيضا كفران للنعمة بالتضييع،و كل ما خلق في الدنيا إنما خلق آلة للعبد ليتوصل به إلى سعادة الآخرة،و نيل القرب من اللّه تعالى،فكل مطيع فهو بقدر طاعته شاكر نعمة اللّه في الأسباب التي استعملها في الطاعة،و كل كسلان ترك الاستعمال،أو عاص استعملها في طريق البعد،فهو،كافر جار في غير محبة اللّه تعالى،فالمعصية و الطاعة تشملهما المشيئة،و لكن لا تشملهما المحبة و الكراهة،بل رب مراد محبوب،و رب مراد مكروه ،و وراء بيان هذه الدقيقة سر القدر الذي منع من إفشائه،و قد انحل بهذا


[1] التين:4،5،6

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 12  صفحه : 79
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست