responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 79

و هؤلاء هم أنبياء الأولياء

[الأنبياء الذين لهم الشرائع]

و أما الأنبياء الذين لهم الشرائع فلا بد من تنزل الأرواح على قلوبهم بالأمر و النهي و ما عدا ما ينزلون به من الأمر و النهي مثل العلوم الإلهية و الإخبارات عن الكوائن و الأمور الغائبة فذلك خارج عن نبوة الشرائع و هو من أحوال الأنبياء على العموم و يناله المحدث

[كان الخضر في حكمه على شرع رسول غير موسى]

فإن ظهر من أصحاب النبوة المطلقة حكم من الأحكام الظاهرة من أنبياء الشرائع من قتل أو أخذ مال أو فعل من الأفعال يناقض حكم شرع الزمان المقرر فاعلم أن هذا النبي الذي ما له شرع ليس ذلك من شرع نزل إليه و خوطب به بل لا يزال تابعا لرسول قد شرع له ما شرع و إنما اتفق أنه أخبر باتباع شرع رسول قد شرع له مما لم يشرع لرسول آخر و حكمه في حق هذا الرسول يعارض حكم الرسول الآخر فإذا اجتمع هذا الشخص الذي هو بهذه المثابة مع رسول من الرسل كالخضر مع موسى عليه السلام فحكم في قتل الغلام بما حكم و أنكر عليه موسى قتل نفس زكية في ظاهر الشرع بغير نفس مما لم يكن ذلك حكمه في شرعه فقال له لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً أي ينكره شرعي و قال له الخضر مٰا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي يعني في كل ما جرى منه فكان الخضر في حكمه على شرع رسول غير موسى فحكم بما حكم به مما يقتضيه شرع الرسول الذي اتبعه و من شرع ذلك الرسول حكم الشخص بعلمه فحكم بعلمه في الغلام أنه كافر فلم يكن حكم الخضر فيه من حيث إنه صاحب شرع منزل و إنما حكم فيه مثل حكم القاضي عندنا بشرع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فعلى هذا الحد تصدر الأحكام من أنبياء الأولياء

[هل يتصور أن يحكم أنبياء الأولياء بما يخالف شرع محمد]

فإن قيل هذا يجوز في زمان وجود الرسل و اليوم فما ثم شرع إلا واحد فهل يتصور أن تحكم أنبياء الأولياء بما يخالف شرع محمد صلى اللّٰه عليه و سلم قلنا لا نعم فأما قولنا لا فإنه لا يجوز أن يحكم برأيه و أما قولنا نعم فإنه يجوز للشافعي أن يحكم بما يخالف به حكم الحنفي و كلاهما شرع محمد صلى اللّٰه عليه و سلم فإنه قرر الحكمين فخالفت شرعه بشرعه فإذا اتفق أن تخبر أنبياء الأولياء فيما يعلمهم الحق من أحكام شرع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أو يشهدون الرسول صلى اللّٰه عليه و سلم فيخبرهم بالحكم في أمر يرى خلافه أحمد و الشافعي و مالك و أبو حنيفة لحديث رووه صح عندهم من طريق النقل فوقفت عليه أنبياء الأولياء و علمت من طريقها الذي ذكرناه أن شرع محمد يخالف هذا الحكم و أن ذلك الحديث في نفس الأمر ليس بصحيح وجب عليهم إمضاء الحكم بخلافه ضرورة كما يجب على صاحب النظر إذا لم يقم له دليل على صحة ذلك الحديث و قام لغيره دليل على صحته و كلاهما قد و في الاجتهاد حقه فيحرم على كل واحد من المجتهدين أن يخالف ما ثبت عنده و كل ذلك شرع واحد فمثل هذا يظهر من أنبياء الأولياء بتعريف اللّٰه أنه شرع هذا الرسول فيتخيل الأجنبي فيه أنه يدعي النبوة و أنه ينسخ بذلك شرع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فيكفره و قد رأينا هذا كثيرا في زماننا و ذقناه من علماء وقتنا فنحن نعذرهم لأنه ما قام عندهم دليل صدق هذه الطائفة و هم مخاطبون بغلبة الظنون و هؤلاء علماء بالأحكام غير ظانين بحمد اللّٰه فلو وفوا النظر حقه لسلموا له حاله كما يسلم الشافعي للمالكي حكمه و لا ينقضه إذا حكم به الحاكم غير أنهم رضي اللّٰه عنهم لو فتحوا هذا الباب على نفوسهم لدخل الخلل في الدين من المدعي صاحب الغرض فسدوه و قالوا إن الصادق من هؤلاء لا يضره سدنا هذا الباب و نعم ما فعلوه و نحن نسلم لهم ذلك و نصوبهم فيه و نحكم لهم بالأجر التام عند اللّٰه و لكن إذا لم يقطعوا بأن ذلك مخطئ في مخالفتهم فإن قطعوا فلا عذر لهم فإن أقل الأحوال أن ينزلوهم منزلة أهل الكتاب لا نصدقهم و لا نكذبهم فإنه ما دل لهم دليل على صدقهم و لا كذبهم بل ينبغي أن يجروا عليهم الحكم الذي ثبت عندهم مع وجود التسليم لهم فيما ادعوه فإن صدقوا فلهم و إن كذبوا فعليهم فعلى هذا تجري الأحكام من أنبياء الأولياء لا أنهم أرباب شرائع بل أتباع و لا بد و لا سيما في هذا الزمان الذي ظهرت فيه دولة محمد صلى اللّٰه عليه و سلم

[المحدثون رتبتهم الحديث لا غير]

و المحدثون ليست لهم هذه الرتبة بل رتبتهم الحديث لا غير فهم ناظرون في كل شيء آخذون من عين كل شيء من كون كل شيء مظهر حق غير أنهم لا يتعدون حدود اللّٰه جملة فإن صدر منهم ما هو في الظاهر تعد لحد من حدود اللّٰه فذلك الحد هو بالنسبة إليك حد و بالنسبة إليه مباح لا معصية فيه و أنت لا تعلم و هو عَلىٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ في ذلك فما أتى محرما من هذه صفته فإنه ممن قيل له اعمل ما شئت فما عمل إلا ما أبيح له عمله فإنه أمر لا على جهة الوعيد مثل قوله اِعْمَلُوا مٰا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فهذا وعيد و إنما قولنا فيمن قيل له اعمل ما شئت

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 79
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست