responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 534

عليه بالمغفرة هذا يعطيه الخبر الإلهي الصدق الذي لا يدخله الكذب فإنه محال على الجناب الإلهي فإن نظر العالم إلى أن خطاب الحق لعباده إنما يكون بحسب ما تواطئوا عليه و هذا خطاب عربي لسائر العرب بلسان ما اصطلحوا عليه من الأمور التي يتمدحون بها في عرفهم و من الأمور التي يذمونها في عرفهم فعند العرب من مكارم الأخلاق أن الكريم إذا وعد وفى و إذا أوعد تجاوز و عفا و هي من مكارم أخلاقهم و مما يمدحون بها الكريم و نزل الوعيد عليهم بما هو في عرفهم لم يتعرض في ذلك لما تعطيه الأدلة العقلية من عدم النسخ لبعض الأخبار و لاستحالة الكذب بل المقصود إتيان مكارم الأخلاق قال شاعرهم

و إني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادى و منجز موعدي
مدح نفسه بالعفو و التجاوز عمن جنى عليه بما أوعد على ذلك من العقوبة بالعفو و الصفح و مدح نفسه بإنجاز ما وعد به من الخير يقال في اللسان وعدته في الخير و الشر و لا يقال أوعدته بالهمز إلا في الشر خاصة و اللّٰه يقول وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ أي بما تواطئوا عليه و التجاوز و العفو عند العرب مما تواطئوا على الثناء به على من ظهر منه فالله أولى بهذه الصفة فقد عرفنا اللّٰه أن وعيده ينفذه فيمن شاء و يغفر لمن شاء : و مع هذه الوجوه فلا يتمكن زوال الرهبة من قلب العبد من نفوذ الوعيد لأنه لا يدري هل هو ممن يؤاخذ أو ممن يعفى عنه و قد قدمنا ما يجده المخالف عقيب المخالفة من الندم على ما وقع منه و هو عين التوبة فالحمد لله الذي جعل الندم توبة و وصف نفسه تعالى بأنه التواب الرحيم أي الذي يرجع على عباده في كل مخالفة بالرحمة له فيرزقه الندم عليها فيتوب العبد بتوبة اللّٰه عليه لقوله ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ الرَّحِيمُ و أما الرهبة الثانية التي هي لتحقيق تقليب العلم فيخاف من عدم علمه بعلم اللّٰه فيه هل هو ممن يستبدل أم لا قال تعالى وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاٰ يَكُونُوا أَمْثٰالَكُمْ فقد أعطى السبب و هو التولي و قد أعطى العلامة و هو عدم التولي عن الذكر لا عن اللّٰه فإن التولي عن اللّٰه لا يصح و لهذا قال لنبيه فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّٰى عَنْ ذِكْرِنٰا كيف يتولى عمن هو بالمرصاد و الكل في قبضته و بعينه و لما كان مشهده تقليب العلم بتقليب المعلوم فإن العلم يتعلق به بحسب ما هو عليه فتغير التعلق لتغير المتعلق لا لتغير العلم فرهبته من تقليب العلم عين رهبته مما يقع منه فإن العلم لا حكم له في التقليب على الحقيقة و إنما التقليب لموجد عين الفعل الذي يوقع الرهبة في القلب و هو كونه قادرا و يتعلق العلم بذلك الانقلاب و المنقلب إليه قال تعالى وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ أي إذا ظهر منكم عند الابتلاء بالتكليف ما يكون منكم من مخالفة أو طاعة يتعلق العلم مني عند ذلك به كان ما كان و حضرة تقليب العلم قوله يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ فذكر المحو بعد الكتابة و يثبت ما شاء مما كتبه وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ و هي السابقة التي لا تتبدل و لا تمحى فلما علم عز و جل ما يمحو من ذلك بعد كتابته و ما يثبت أضيف التقليب إلى العلم و التحقيق ما ذكرناه من تغيير التعلق و عدم التقليب في العلم و أما قوله تعالى عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتٰانُونَ أَنْفُسَكُمْ فما أراد هنا تعلق علمه تعالى بأنهم يختانون أنفسهم و إنما المستقبل هنا بمعنى الماضي فإن اللسان العربي يجيء فيه المستقبل ببنية الماضي إذا كان متحققا كقوله تعالى أَتىٰ أَمْرُ اللّٰهِ فَلاٰ تَسْتَعْجِلُوهُ و شبهه و قد كان الحق كلفهم قبل هذا التعريف أن لا يباشر الصائم امرأته ليلة صومه فمنهم من تعدى حد اللّٰه في ذلك فلما علم اللّٰه ذلك عفا عمن وقع منه ذلك و أحل له الجماع ليلة صومه إلا أن يكون معتكفا في المسجد فما خفف عنهم حتى وقع منهم ذلك و من من شأنه مثل هذا الواقع فإنه لا يزال يتوقع منه مثله فأبيح له رحمة به حتى إذا وقع منه ذلك كان حلالا له و مباحا و تزول عنه صفة الخيانة فإن الدين أمانة عند المكلف و أما الرهبة لتحقيق أمر السبق فلقوله تعالى مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ و قوله لاٰ تَبْدِيلَ لِكَلِمٰاتِ اللّٰهِ و إن كان يسوغ في هذه الآية أن كلمات اللّٰه عبارة عن الموجودات كما قال في عيسى إنه كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ فنفى أن يكون للموجودات تبديل بل التبديل لله و لا سيما و ظاهر الآية يدل على هذا التأويل و هو قوله فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا لاٰ تَبْدِيلَ لِكَلِمٰاتِ اللّٰهِ أي ليس لهم في ذلك تبديل و هذه بشرى من اللّٰه بأن اللّٰه ما فطرنا إلا على الإقرار بربوبيته فما يتبدل ذلك الإقرار بما ظهر من الشرك بعد ذلك في بعض الناس لأن اللّٰه نفى عنهم أن يكون لهم تبديل في ذلك بل هم على فطرتهم

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 534
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست