responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 533

متعلقها الحق فنعني بالحق هنا ما يظهر للخلق في الأعمال المشروعة فيرغب السر في هذا الحق لما يندرج في ذلك أو يظهر به من المعارف الإلهية التي تتضمنها الأحكام المشروعة و لا تكشف إلا بالعمل بها فإن الظاهر أقوى من الباطن حكما أي هو أعم لأن الظاهر له مقام الخلق و الحق و الباطن له مقام الحق بلا خلق إذ الحق لا يبطن عن نفسه و هو ظاهر لنفسه فمن علم ذلك رغب سره في الحق فإن اللّٰه ربط العالم به و أخبر عن نفسه أن له نسبتين نسبة إلى العالم بالأسماء الإلهية المثبتة أعيان العالم و نسبة غناه عنه فمن نسبة غناه عنه يعلم نفسه و لا نعلمه فلم يبطن عن نفسه و من نسبة ارتباط العالم به للدلالة عليه علم أيضا نفسه و علمناه فعم الظاهر النسبتين فكان أقوى في الحكم من الباطن فرغب السر في الحق لعلمه بأن مدرك نسبة الغني لا يدركها إلا هو فقطع يأسه و أراح نفسه و طلب ما ينبغي له أن يطلب فنفخ في ضرم و لم يكن لحما علي و ضم جعلنا اللّٰه ممن رأى الحق حقا فاتبعه وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

«الباب الرابع و الثلاثون و مائتان في الرهبة»



الرهبة الخوف من سبق و تقليب و من وعيد لصدق المخبر الصادق
دل الدليل عليه من مضايفة فالراهب الخائف المسارع السابق
يسير في ظلمة عمياء غاسقة سير المريب و سير الواله العاشق
يسرى بهمته خوفا فتبصره يخاف في سيره من فجأة الطارق

[الرهبة على ثلاثة أوجه]

الرهبة عند القوم تقال بإزاء ثلاثة أوجه رهبة من تحقيق الوعيد و رهبة من تقليب العلم و رهبة من تحقيق أمر السبق فالأول إذا جاء الوعيد بطريق الخبر و الخبر لا يدخله النسخ فهو ثابت و الثاني تقليب العلم ف‌ يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ و الثالث مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ و أما الرهبة المطلقة من غير تقييد بأمر ما معين فهي كل خوف يكون بالعبد حذرا أن لا يقوم بحدود ما شرع له سواء كان حكما مشروعا إلهيا أو حكما حكميا كما قال تعالى وَ رَهْبٰانِيَّةً ابْتَدَعُوهٰا أي هم شرعوها لأنفسهم ما أوجبناها عليهم ابتداء فاعتبرها الحق و آخذهم بعدم مراعاتها فما كتبها اللّٰه عليهم إِلاَّ ابْتِغٰاءَ رِضْوٰانِ اللّٰهِ فأثنى على المراعين لها ليحسن القصد و النية في ذلك و في الكلام تقديم و تأخير كأنه يقول فما رعوها حق رعايتها إلا ابتغاء رضوان اللّٰه يعني المراعين لها و في شرعنا من هذه الرهبانية من سن سنة حسنة و هذا هو عين الابتداع و لما جمع عمر بن الخطاب الناس على أبي في قيام رمضان قال نعمت البدعة هذه فسماها بدعة و مشت السنة على ذلك إلى يومنا هذا فلما اقترن بالأعمال المشروعة وجوب القيام بحقها كالنذر خاف المكلف فقامت الرهبة به فأدته إلى مراعاة الحدود فسمي راهبا و سميت الشريعة رهبانية و مدح اللّٰه الرهبان في كتابه فمن الناس من علق رهبته بالوعيد فخاف من نفوذه كالمعتزلي القائل بإنفاذ الوعيد فيمن مات عن غير توبة

[إن المؤمن يندم على ارتكاب معصية]

فاعلم إن هنا نكتة أنبهك عليها و ذلك أنه من المحال أن يأتي مؤمن بمعصية توعد اللّٰه عليها فيفزع منها إلا و يجد في نفسه الندم على ما وقع منه و

قد قال صلى اللّٰه عليه و سلم الندم توبة و قد قام به الندم فهو تائب فسقط حكم الوعيد لحصول الندم فإنه لا بد للمؤمن أن يكره المخالفة و لا يرضى بها و هو في حال عمله إياها فهو من كونه كارها لها مؤمن بأنها معصية ذو عمل صالح و هو من كونه فاعلا لها ذو عمل سيئ فغايته إن يكون من الذين خَلَطُوا عَمَلاً صٰالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً فقال تعالى عقيب هذا القول عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ و عسى من اللّٰه واجبة و رجوعه عليهم إنما هو بالمغفرة و يرزقهم الندم عليها و الندم توبة فإذا ندموا حصلت توبة اللّٰه عليه فهو ذو عمل صالح من ثلاثة أوجه الايمان بكونها معصية و كراهته لوقوعها منه و الندم عليها و هو ذو عمل سيئ من وجه واحد و هو ارتكابه إياها و مع هذا الندم فإن الرهبة تحكم عليه سواء كان عالما بما قلناه أو غير عالم فإنه يخاف وقوع مكروه آخر منه و لو مات على تلك التوبة فإن الرهبة لا تفارقه و ينتقل تعلقها من نفوذ الوعيد إلى العتاب الإلهي و التقرير عند السؤال على ما وقع منه فلا يزال مستشعرا و هو نوع من أنواع الوعيد فإن اللّٰه يقول فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فلا بد أن يوقف عليه فهو يرهب من هذا التوبيخ برؤية ذلك العمل القبيح الذي لا بد له من رؤيته و لم يتعرض الحق في هذه الآية للمؤاخذة به فالرؤية لا بد منها فإن كان ممن غفر له يرى عظيم ما جنى و عظيم نعمة اللّٰه

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 533
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست