responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 486

ذلك النور و لو لا ما هي النفوس عليه من الأنوار ما صحت المشاهدة إذ لا يكون الشهود إلا باجتماع النورين و من كان له حظ في النور كيف يشقى شقاء الأبد و النور ليس من عالم الشقاء و ما من نفس إلا و لها نور تكشف به ما عملت فما كان من خير سرت به و ما كان من سوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهٰا وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً و لهذا ختم الآية بقوله وَ اللّٰهُ رَؤُفٌ بِالْعِبٰادِ حيث جعل لهم أنوارا يدركون بها

[أن للنور حظ في السعادة]

و قد علموا أن النور لا حظ له في الشقاء فلا بد أن يكون المال إلى الملائم و حصول الغرض و ذلك هو المعبر عنه بالسعادة لأنه قال كل نفس فعم و ما خص نفسا من نفس و ذكر الخير و الشر فالوجود نور و العدم ظلمة فالشر عدم و نحن في الوجود فنحن في الخير و إن مرضنا فإنا نصح فإن الأصل جابر و هو النور و هكذا صفة كل نور إنما جاء ليظهر ما طلع عليه فلا تدرك الأشياء إلا بك و به فلهذا لا يصح نتيجة أي لا تكون إلا بين اثنين أصلها الاقتدار الإلهي و قبول الممكن للانفعال لو نقص واحد من هاتين الحقيقتين لما ظهر للعالم عين فقد أعطيناك أمرا كليا في هذه الأنوار فلا نتكلف بسطها مخافة التطويل و الأحوال لا تحتمل الإسهاب فلنذكر مبهمات الأنوار فأما النور الذي نسعى به فهو ما تقدم ذكره من أنوار المعلومات التي اكتفينا بذكر واحد منها ليكون تنبيها و أنموذجا لما سكتنا عنه و أما النور الذي بين أيدينا فهو نور الوقت و الوقت ما أنت به فنوره ما أنت به فانظر فيه كيفما كان فهو مشهودك الحاكم عليك و القائم بك و هو عين الاسم الإلهي الذي أنت به قائم في الحال لا حكم له في ماض و لا مستأنف و أما النور الذي عن يمينك فهو المؤيد لك و المعين على ما يطلبه منك النور الذي بين يديك و هو الذي طلبت من اللّٰه في حال صلاتك في قولك وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ و الصلاة نور و هي النور الذي بين يديك فهو وقتك الذي أنت به فلما قلت وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ أيدك بالنور من عن يمينك فإن اليمين القوة يقول الشاعر

إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين
و أما النور الذي عن يسارك فهو نور الوقاية و الجنة من الشبه المضلة المؤثرة في النفوس الجهالات و الالتباس و التشكيك الذي يخطر للناظر الباحث في الاعتقاد في اللّٰه و فيما أخبر به عن نفسه و هو على نوعين نور إيمان و نور دليل و نور الدليل على نوعين نور نظر فكري و نور نظر كشفي فيعلم الأمر على ما هو عليه في نفسه فهذا فائدة النور الذي يأتي عن الشمال و أما النور الذي خلفنا فهو النور الذي يَسْعىٰ بين يدي من يقتدي بنا و يتبعنا على مدرجتنا فهو لهم من بين أيديهم و هو لنا من خلفنا فيتبعنا على بصيرة من أجل ذلك النور الذي يخرجهم عن التقليد قال أَدْعُوا إِلَى اللّٰهِ عَلىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي فهو بالنور الذي بين يديه يدعو على بصيرة و الداعي المتبع له يدعو بالنور الذي خلفه ليكون هذا المتبع أيضا على بصيرة فيما يدعو إليه مثل من اتبعه و بذلك النور يرى من خلفه مثل ما يرى من بين يديه و هذا مقام نلته سنة ثلاث و تسعين و خمسمائة بمدينة فاس في صلاة العصر و أنا أصلي بجماعة بالمسجد الأزهر بجانب عين الجبل فرأيته نورا يكاد يكون أكشف من الذي بين يدي غير أني لما رأيته زال عني حكم الخلف و ما رأيت لي ظهرا و لا قفا و لم أفرق في تلك الرؤية بين جهاتي بل كنت مثل الأكرة لا أعقل لنفسي جهة إلا بالفرض لا بالوجود و كان الأمر كما شاهدته مع أنه كان قد تقدم لي قبل ذلك كشف الأشياء في عرض حائط قبلتي و هذا كشف لا يشبه هذا الكشف و أما النور الذي من فوقي فهو تنزل نور إلهي قدسي بعلم غريب لم يتقدمه خبر و لا يعطيه نظر و هذا النور هو الذي يعطي من العلم بالله ما ترده الأدلة العقلية إذا لم يكن لها إيمان فإن كان لها إيمان نوراني قبلته بتأويل لتجمع بين الأمرين و أما النور الذي من تحتنا فهو النور الذي يكون تحت حكمنا و تصريفنا لا يقترن معه فينا أمر إلهي نقف عنده فلا نصرفه إلا فيه و أما الأنوار التي نسعى بها فهي أنوار المعية من جانب الحق في قوله وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ لذلك قلنا من جانب الحق فإنه لا يختص بهذه المعية شيء من خلق اللّٰه دون غيره و لها الاسم الحفيظ و المحيط فإن لله مع بعض عباده معية اختصاص مثل معيته مع موسى و هارون في قوله إِنَّنِي مَعَكُمٰا أَسْمَعُ وَ أَرىٰ فهذه بشرى لهما حتى لا يخافا فإنهما قالا إِنَّنٰا نَخٰافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنٰا أَوْ أَنْ يَطْغىٰ أي يتقدم و يرتفع بالحجة إذ له الملك و السلطان فآمنهما اللّٰه مما خافا منه و من هنا تعرف مرتبة محمد صلى اللّٰه عليه و سلم و علوها على رتبة غيره من الرسل فإن اللّٰه أخبر عن محمد صلى اللّٰه عليه

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 486
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست