responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 650

و لا آخرة

[اعتبار الصوم و اعتبار الفطر في أيام التشريق]

و الصوم ترك و عبادة فمن اعتبر العبادة فيه أجاز الصوم فيه و من اعتبر ما رجح الشرع من أنها أيام أكل و شرب و ذكر لله تعالى و لم يقل ليالي أكل و شرب فهو خبر إلهي لأنه صلى اللّٰه عليه و سلم لا ينطق عن الهوى إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ فهو إعلام إلهي على جهة الخبر و الخبر لا يدخله النسخ فأوجب الفطر فيها عبادة واجبة العمل فمن صام فيها فقد رجح نظره على خبر اللّٰه تعالى بما ينبغي أن يعمل فيها و من نازع اللّٰه في شيء قال إنه له فقد عرض بنفسه للهلاك فإن الصوم له و الفطر لك و ما رخص في صومها المجتهد إلا لمن لم يجد الهدى كذا قال البخاري عن عائشة و ابن عمر

[ذكر الآباء و ذكر اللّٰه في أيام التشريق]

ثم جعل لك فيها ذكر لله و هو قوله تعالى فَإِذٰا قَضَيْتُمْ مَنٰاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ كَذِكْرِكُمْ آبٰاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فأمركم فيها بذكر اللّٰه فإن العرب كانت في هذه الأيام في الموسم تذكر أنسابها و أحسابها لاجتماع قبائل العرب في هذه الأيام تريد بذلك الفخر و السمعة فهذا معنى قوله كَذِكْرِكُمْ آبٰاءَكُمْ أي اشتغلوا بالثناء على اللّٰه بما هو عليه على طريق الفخر إذ كنتم عبيده و فخر العبد بسيده فإنه مضاف إليه و أكبر من ذلك من كونه منه كما

قال صلى اللّٰه عليه و سلم مولى القوم منهم و أهل القرآن هم أهل اللّٰه و خاصته و العبد لا فخر له بأبيه بل فخره بسيده و إن افتخر العبد بأبيه فإنما يفتخر به من حيث إن أباه كان مقربا عند سيده لأنه عبد مثله ممتثلا لأمره واقفا عند حدوده و رسومه فإنه أيضا عبد اللّٰه فلهذا قال كَذِكْرِكُمْ آبٰاءَكُمْ فما نهاهم عن ذكر آبائهم و لكن رجح ذكرهم اللّٰه على ذكرهم آباءهم بقوله أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً و هو الموصي عباده بقوله أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوٰالِدَيْكَ أي كونوا أنتم من إيثار ذكر اللّٰه و الفخر به من كونه سيدكم و أنتم عبيد له على ما كان عليه آباؤكم و ذكر اللّٰه أكبر

[ذكر اللّٰه في كل عبادة أكبر أفعال العبادة]

و أي عبادة كان فيها العبد و فيها ذكر اللّٰه فإن ذكر اللّٰه أكبر ما فيها من أفعال تلك العبادة و أقوالها قال تعالى إِنَّ الصَّلاٰةَ تَنْهىٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ لَذِكْرُ اللّٰهِ أَكْبَرُ يعني الذي فيها أكبر من جميع أفعالها فإنك إذا ذكرت اللّٰه فيها كان جليسك في تلك العبادات فإنه أخبر أنه جليس من ذكره و إذا كان جليسك فلا يخلو إما أن تكون ذا بصر إلهي فتشهده أو تكون غير ذي بصر إلهي فتشهده من طريق الايمان أنه يراك فتكون في هذه الحال مثل الأعمى يعلم أنه جليس زيد و إن كان لا يراه فهو كأنه يراه فالرائي له يشهده محركا له في جميع أفعاله و الذي لا يراه يحس بأن ثم محركا له في أفعاله بحس الايمان لا بحس الشهود البصري و هو قوله كأنك تراه فإنه بالذكر يعلم أنه جليسه أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللّٰهَ يَرىٰ و جليس الحق لا يمكن أن يكون إلا في خلوة معه ضرورة لا يتمكن أن يثبت مع هذا العبد إذا جالسة الحق جليس آخر جملة واحدة في خاطره لأنها مجالسة غيب قيل لبعضهم اذكرني في خلوتك بالله قال له إذا ذكرتك فلست في خلوة مع اللّٰه

[لا يكلم اللّٰه خلقه إلا من وراء حجاب]

فكما أنه لا يكلم اللّٰه خلقه إلا من وراء حجاب و الحجاب عين الكلام كذلك لا تكلمه أنت و لا تذكر عنده نفسك و لا غيرك إلا من وراء حجاب لا بد من ذلك فإن المشاهدة للبهت و الخرس فلا بد للذاكر و إن كان الحق جليسه أن يكون أعمى و لا بد و عماه ذكره فالحق جليس غيب عند كل ذاكر فمن غلب عليه مشاهدة الخيال في حق ربه من قوله كأنك تراه و هو استحضار في خيال فمثل ذلك بجمع بين المشاهدة و الكلام فإن الجليس في تلك الحال مثلك لا من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و هذا كان حال الشهاب ابن أخي النجيب رحمه اللّٰه على ما نقل إلى الثقة عندي من قوله إن الإنسان يجمع بين المشاهدة و الكلام أين هذا الذوق من ذوق المحقق أبي العباس السياري من الرجال المذكورين في رسالة القشيري حين قال ما التذ عاقل بمشاهدة قط لأن مشاهدة الحق فناء و ليس فيها لذة أين هذا الذوق من ذوق الشهاب فافهم فإنه موضع غلط لأكابر المحققين من أهل اللّٰه فكيف بمن هو دونهم

[الذين هم فوق ما يقولون و الذين هم تحت ما يقولون]

و قد أخبرنا عمن رأيناه من أهل اللّٰه المنتمين إلى اللّٰه أنه يقول بذلك أعني مثل قول الشهاب فإن كان صاحب علم تام فيقوله على حد ما رسمناه و إن كان دون ذلك فإنما يقوله كما يقوله من لا علم له بالحقائق و لو قالها بحضوري كنت أفاوضه فيها حتى أعرف بأي لسان يقول ذلك فكنت أنسبه إلى ما قال على التعيين فاعلم أنه إن كان قال ذلك على مجرى التحقيق علمنا أنه فوق ما يقول و منهم من هو تحت ما يقول و الذين هم تحت ما يقولون طائفتان طائفة في غاية العلم بالله مما في وسع البشر أن يعلموه من اللّٰه و الطائفة الأخرى في غاية البعد و الحجاب عن اللّٰه و هم الذين يَعْلَمُونَ ظٰاهِراً مِنَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا و هم الذين لا يرون شيئا فوق علم الرسوم فهم يشبهون الطبقة العالية في كونهم تحت ما يقولون

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 650
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست