responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 626

(وصل في فصل صيام سر الشهر)

اعلم أنه صوم يوم ورد به الأمر من النبي صلى اللّٰه عليه و سلم

رويناه من طريق أبي داود عن عبد اللّٰه بن العلاء عن المغيرة بن قرة قال قال معاوية في الناس يوم مسحل الذي على باب حمص فقال يا أيها الناس إنا قد رأينا الهلال يوم كذا و كذا و أنا متقدم بالصوم فمن أحب أن يفعل فليفعله قال فقام إليه مالك بن هبيرة السبلى فقال يا معاوية أ شيء سمعته من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أم شيء من رأيك قال فقال سمعته من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يقول صوموا الشهر و سره

[صيام سر الشهر و مقام الأخفياء الأبرياء من الأولياء]

فاعلم إن السر ضد الشهرة و بها سمي الشهر شهرا لاشتهاره و تمييزه و اعتناء المسلمين به و أصحاب تسيير الكواكب فرغب في الصوم في حال السر و الإعلان و اعلم أن سر الشهر هو الوقت الذي يكون فيه القمر في قبضة الشمس تحت شعاعها كذلك العبد إذا أقيم في مشهد من مشاهد القرب الذي تطلبه عيون الأكوان فيه فلا تبصره و ذلك مقام الأخفياء الأبرياء الذين لم يتميزوا في العامة في هذه الدار تحققا بصفة سيدهم حيث لم يجعل سبيلا إلى رؤيته في هذه الدار لحصول دعاوى الكون في المرتبة الإلهية فقالوا ينبغي أن لا نظهر إلا بظهور مولانا و ذلك في الآخرة حيث يقول لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فلا يجرأ أحد يدعيه فهناك تظهر هذه الطبقة أن لله أخفياء في عباده و ضنائن اكتنفهم في صونه فلما تشبهوا بسيدهم في هذه الصفة من الستر و عدم الظهور لزمهم صوم سر الشهر فإن الصوم صفة صمدانية فاتصفوا بصفة الحق في هذا التقريب كما اتصفوا به في الإعلان في صوم الواجب كشهر رمضان فإنه ظهر هناك باسمه رمضان و سمي به الشهر حجابا عنه تعالى

[صوم السر و صوم العلن]

و العامة تقول صمت رمضان و العارف يقول شهر رمضان معلنا فإن اللّٰه قال لهم فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ و هو إعلان رمضان و شهرته فَلْيَصُمْهُ إلا المسافر فإن المسافر إليه يسافر ليشهده فما هو في حال شهود في وقت سفره و المريض مائل عن الحق لأن المرض النفسي ميل النفس إلى الكون فلم يشهد الشهر و الحيض كذب النفس و لذلك هو أذى في المحل ينافي الطهارة التي توجب القرب و هو الصدق

ورد في الخبر الصحيح أن العبد إذا كذب الكذبة تباعد منه الملك ثلاثين ميلا من نتن ما جاء به فجاء بالثلاثين الذي هو كمال عدة الشهر القمري الذي استسر في شعاع الشمس فكانت الحائض بعيدة من شهود الشهر لما ذكرناه

[الظهور الإلهي في صورة كمال الأعطية بالخلعة الإلهية]

و الحق سبحانه لا يقرب عبده إلا ليمنحه و يعطيه ثم يبرزه إلى الناس قليلا قليلا لئلا يبهرهم بهاء نور ما أعطاه لضعف عيون بصائرهم رحمة بالعامة فلا يزال يظهر لهم قليلا قليلا فلا يبدي لهم من العلم بالله الذي أعطاه في حال ذلك السرار إلا قدر ما يعلم أنه لا يذهلهم إلى أن تعتاد عيون بصائرهم إلى أن يظهر لهم في صورة كمال الأعطية بالخلعة الإلهية و هو قوله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ فذلك بمنزلة القمر ليلة البدر فهو القدر الذي كان حصل له ليلة السرار في حضرة الغيب من وجه باطنه فإن ضوء البدر كان في السرار من الشمس في الوجه الذي ينظر إلى الشمس في حين المسامتة و الظاهر لا نور فيه و في ليلة الإبدار ينعكس الأمر فيكون الظهور بالاسم الظاهر

[فعل الحق مع عامة عباده]

و كذلك فعل الحق مع عامة عباده احتجب عنهم غاية الحجاب كالسرار في القمر فلم يدركوه فقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رحمة بهم فلم يجدوا في أذهانهم و لا في طبقات أحوالهم ما يذهلهم فجاء سرا في رحمة حجاب هذه الآية و هذا غاية نزول الحق إلى عباده في مقام الرحمة لهم ثم استدرجهم قليلا قليلا بمثل وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ و قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ اَللّٰهُ الصَّمَدُ و قوله أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللّٰهَ يَرىٰ إلى أن تقوت أنوار بصائرهم بالمعرفة بالله و أنسوا به قليلا قليلا إلى أن يتجلى لهم في المعرفة التامة النزيهة التي لو تجلى لهم فيها في أول الحال لهلكوا من ساعتهم فقال عز من قائل وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ فقبلوه و لم ينفروا منه و نسوا حال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فكان بقاؤهم في ذلك المقام بقطع الياس لرفع المناسبة من جميع الوجوه

[أهل الميت و أهل الغائب]

أ لا ترى أهل الميت تنقطع وحشتهم من ميتهم لأنهم لا يرجون لقاءه في الدنيا فلا يبقى لهم حزن و أهل الغائب ليس كذلك فإنهم لم ييأسوا من لقائه و كتبه و أخباره ترد عليهم مع الآنات إلى وقت اللقاء عند قدومه فسبحان الحكيم الخبير يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيٰاتِ لعلنا نعقل عنه فلمثل هذا وقع صيام سر الشهر و الشهر مثلا مضر و بالمن يعقل عن اللّٰه

[صيام سر الشهر و مقام جمعية الهمة على اللّٰه]

ففي صيام سر الشهر مقام جمعية الهمة على اللّٰه حتى لا يرى غير اللّٰه و هو

قوله صلى اللّٰه عليه و سلم لي وقت لا يسعني فيه غير ربي لأنه في تجل خاص به و لهذا أضافه إليه فقال ربي و لم يقل اللّٰه و لا الرب و مما

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 626
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست