responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 589

أرباب الدنيا لا يحملون مثل هذا في يديهم لحقارته و استقذاره فقلت له يا سيدنا حاشاك من هذا النظر ما هو نظر مثلك إن اللّٰه تعالى ما استقذره و لا حقره لما علق القدرة بإيجاده كما علقها بإيجاد العرش و ما تعظمونه من المخلوقات فكيف بي و أنا عبد حقير ضعيف استحقر و أستقذر ما هو بهذه المثابة فقبلني و دعا لي و قال لأصحابه أين هذا لخاطر من حمل المجاهد نفسه

[الوجوه المختلفة لاستعظام الأشياء عند أهل اللّٰه]

فقد يكون استعظام الصدقة من هذا الباب في حق المعطي و في حق الآخذ فلاستعظام الأشياء وجوه مختلفة يعتبرها أهل اللّٰه

أوحى اللّٰه إلى موسى عليه السلام إذا جاءتك من أحد باقلاية مسوسة فأقبلها فإني الذي جئت بها إليك فيستعظمها المعطي من حيث إنه نائب عن الحق تعالى في إيصالها و يستعظمها الآخذ من حيث إن اللّٰه جاء بها إليه فيد المعطي هنا يد الحق عن شهود أو إيمان قوي

فإن اللّٰه يقول إن اللّٰه قال على لسان عبده سمع اللّٰه لمن حمده فأضاف القول إليه و العبد هو الناطق بذلك و

قال تعالى في الخبر كنت له سمعا و بصرا و يدا و مؤيدا و قد يكون استعظامها عند أهل الكشف لما يرى و يشاهد و يسمع من تسبيح تلك الصدقة أو الهدية أو الهبة أو ما كانت لله تعالى و تعظيمها لخالقها باللسان الذي يليق بها و قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فتعظم عنده لما عندها من تعظيم الحق و عدم الغفلة و الفتور دائما كما تعظم الملوك الصالحين و إن كانوا فقراء مهانين عبيدا كانوا أو إماء و أهل بلاء كانوا أو معافين و يتبركون بهم لانتسابهم إلى طاعة اللّٰه على ما يقال فكيف صاحب هذا المشهد الذي يعاين فمن كان هذا مشهده أيضا من معط و آخذ يستعظم خلق اللّٰه إذ هو كله بهذه المثابة و قد يقع التعظيم له أيضا من باب كونه فقيرا إلى ذلك الشيء محتاجا إليه من كون الحق تعالى جعله سببا لا يصل إلى حاجته إلا به سواء كان معطيا و آخذا إذا كان هذا مشهده

[اللّٰه مسمى بكل ما يفتقر إليه مقصود في كل عبادة]

و قد يستعظم ذلك أيضا من حيث قول اللّٰه تعالى يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ فتسمى اللّٰه في هذه الآية بكل شيء يفتقر إليه و هذا منها و أسماء الحق معظمة و هذا من أسمائه و هو دقيقة لا يتفطن إليها كل أحد إلا من يشاهد هذا المشهد و هو من باب الغيرة الإلهية و النزول الإلهي العام مثل قوله تعالى وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِيّٰاهُ مع ما عبد في الأرض من الحجارة و النبات و الحيوان و في السماء من الكواكب و الملائكة و ذلك لاعتقادهم في كل معبود أنه إله لا لكونه حجرا و لا شجرة و لا غير ذلك و إن أخطئوا في النسبة في أخطئوا في المعبود فلهذا قال وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلاّٰ تَعْبُدُوا إِلاّٰ إِيّٰاهُ فكان من قضائه أنهم اعتقدوا الإله و حينئذ عبدوا ما عبدوا فهذا من الغيرة الإلهية حتى لا يعبد إلا من له هذه لصفة و ليس إلا اللّٰه سبحانه في نفس الأمر فقد تستعظم الصدقة من هذا الكشف*

[الوجوه المختلفة لاستحقار الأشياء عند أهل اللّٰه]

و أما استحقارها عند بعضهم فلمشهد آخر ليس هذا فإن مشاهد القوم و أحوالهم و أذواقهم و مشاربهم تحكم عليهم بقوتها و سلطانها و هل كل ما ذكرناه في الاستعظام إلا من باب حكم الأحوال و الأذواق و المشاهد على أصحابها

[الإمكان للممكن صفة افتقارية]

فمنها إن يشاهد إمكان ما تعطيه من صدقة إن كان معطيا أو ما يأخذ إن كان آخذا و الإمكان للممكن صفة افتقارية و ذلة و حاجة و حقارة فيستحقر صاحب هذا المشهد كل شيء سواء كان ذلك من أنفس الأشياء في العادة أو غير نفيس

[ابن عربى شاهد على عصره]

و قد يكون مشوبا أيضا في الاستحقار من يعطي من أجل اللّٰه و يأخذ بيد اللّٰه رأيت بعض أهل اللّٰه فيما أحسب فإني لا أزكي على اللّٰه أحدا كما أمرنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و فعله و قد نهانا اللّٰه عن ذلك و قد سأل فقير شخصا أن يعطيه صدقة لله فأخرج الرجل المسئول صرة فيها قطع فضة بين كبير و صغير فأخذ يفتش فيها بيده و ذلك الرجل الصالح بنظر إليه ثم رد وجهه إلي و قال لي تعلم على من يبحث هذا المتصدق قلت لا قال على قدر منزلته عند اللّٰه فإنه يعطي من أحل اللّٰه فإذا رأى قطعة كبيرة يعدل عنها يقول ما تساوي عند اللّٰه هذا القدر إلى أن عمد إلى أصغر قطعة وجدها فأعطاها السائل فقال ذلك الصالح هذه قيمتك عند اللّٰه

[كل شيء محتقر في جنب اللّٰه]

ألا كل شيء محتقر في جنب اللّٰه لكن هنا كرم إلهي يستند إلى غيرة إلهية و ذلك

أن الناس يوم القيامة ينادي مناد فيهم من قبل اللّٰه أين ما أعطى لغير اللّٰه فيؤتى بالأموال الجسام و العقار و الأملاك ثم يقال أين ما أعطى لوجهي فيؤتى بالكسر اليابسة و الفلوس و قطع الفضة المحفرة و الخليع من الثياب فغار الحق لذلك إن يعطي لوجهه من نعمته مثل ذلك فأخذ الصدقة بيده و رباها حتى صارت مثل جبل أحد أكبر ما يكون فيظهرها له على رءوس الأشهاد و يحقر ما أعطى لغير اللّٰه فيجعله هَبٰاءً مَنْثُوراً فلا بد من الاستحضار لمن هذا مشهده و أمثال هذا مما

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 589
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست