responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 590

يطول ذكره و قد نبهنا على ما فيه كفاية من ذلك مما تدخل فيه الأربعة الأقسام التي قسمنا العالم إليها في أول هذا الفصل

(وصل في فصل أحوال الناس في الجهر بالصدقة و الكتمان)

[اعتبار الأسرار في الصدقة]

من الناس من يراعي صدقة السر لأجل ثناء الحق على ذلك

في الحديث الحسن الذي يتضمن قوله ما تدري شماله ما تنفق يمينه و ما جاء في صدقة لسر و اعتناء اللّٰه بذلك فيسر بها لعلم اللّٰه بما أنفق لا لغير ذلك من إخلاص و شبهه لأن القوم قد حفظهم اللّٰه عن الشرك الجلي و الخفي فممن يخلصون

و ما ثم إلا اللّٰه لا رب غيره
و ذلك لمشاهدتهم الحق في الأعمال عاملا فيعلمون إن الحق تعالى ما ذكر باب السر في مثل هذا و فضله على الإعلان في حق من يرى هذا النظر إلا لعلم له في ذلك و إن لم يطلع عليه لا لأجل الإخلاص و الجهر إذا الجهر و السر قد تساويا في حق هؤلاء في المعطي و الآخذ و من هذا الباب

قوله من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي و من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم الحديث

[اعتبار الإعلان في الصدقة]

و أما صاحب الإعلان بالصدقة فليس هذا مشهده و لا أمثاله و إنما الغالب على قلبه و بصره مشاهدة الحق في كل شيء فكل حال عنده أعمال بلا شك ما يشهد غير هذا فيعلن بالصدقة كما يذكره في الملإ فإن من ذكره في الملإ فقد ذكره في نفسه فإن ذكر النفس متقدم بلا شك و ما كل من ذكره في نفسه ذكره في ملأ فهذه حالة زائدة على الذكر النفسي لا مرتبة تفوت صاحب ذكر لنفس فإن ذكر النفس لا يطلع عليه في الحالتين فهو سر بكل وجه فصدقة الإعلان تؤذن بالاقتدار الإلهي فعمن يخفيها أو يسرها و هو الظاهر في المظاهر الإمكانية و هذه كانت طريقة شيخنا أبي مدين و كان يقول قُلِ اللّٰهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ أَ غَيْرَ اللّٰهِ تَدْعُونَ و قد يعلن بها للتأسي وراثة نبوية

[الرياء و الإخلاص عند العامة و الخاصة من أهل اللّٰه]

و أما ما يذكر عامة أهل هذا الطريق كأبي حامد و المحاسبي و أمثالهما من العامة من الرياء و طلب الإخلاص فإنما ذلك خطاب الحق بلسان العموم ليعم بذلك ما هو لسان من لا يرى لا لله و نحن إنما نتكلم مع أهل اللّٰه في ذلك و لقد كان شيخنا يقول لأصحابه أعلنوا بالطاعة لله حتى تكون كلمة اللّٰه هي العليا كما يعلن هؤلاء بالمعاصي و المخالفات و إظهار المنكرات و لا يستحيون من اللّٰه قال بعض السادة لأصحاب شيخ معتبر بما ذا كان يأمركم شيخكم قال كان يأمرنا بالاجتهاد في الأعمال و رؤية التقصير فيها فقال أمركم و اللّٰه بالمجوسية المحضة هلا أمركم بالأعمال و برؤية مجريها و منشئها فهذا من هذا الباب

[الكامل من يعطى بالحالتين ليجمع بين الحقيقتين]

فقد نبهتك على دقائق صدقة السر و الإعلان في نفوس القوم مع الخلاف الذي بين علماء الرسوم في الصدقة المكتوبة و صدقة التطوع و هو مشهور لا يحتاج إلى ذكره لشهرته من أجل طلب الاختصار و الاقتصاد و في صدقة الإعلان ورد من سن سنة حسنة الحديث و أما الكامل من أهل اللّٰه فهو الذي يعطي بالحالتين ليجمع بين المقامين و يحصل النتيجتين و ينظر بالعينين و يسلك النجدين و يعطي باليدين فيعلن في وقت في الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه الإعلان و يسر بها في وقت الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه الأسرار و هذا هو الأولى بالكمل من أهل اللّٰه في طريق اللّٰه تعالى

(وصل في فصل صدقة التطوع)

[صدقة التطوع و الإيجاب على النفس]

صدقة التطوع عبودية اختيار مشوبة بسيادة و إن لم تكن هكذا فما هي صدقة تطوع فإنه أوجبها على نفسه إيجاب الحق الرحمة على نفسه لمن تاب و أصلح من العاملين السوء بجهالة فهذه مثلها ربوبية مشوبة يحكم عليه بها فإن اللّٰه تعالى لا يجب عليه شيء بإيجاب غيره فهو الموجب على نفسه الذي أوجبه من حيث ما هو موجب فمن أعطى من هذا الوجوب من هذه المنزلة ثم نفرض أن هذه المرتبة الإلهية إذا فعلت مثل هذا و نفرض لها ثوابا مناسبا على هذا الفعل فنعطيه بعينه لمن أعطى بهذا الوجوب من هذه المنزلة و هم أفراد من العارفين بصدقة التطوع فإن الحق من ذلك المقام يثيبه إذا كان هذا مشربه و هذه مسألة ذوقية مشهودة للقوم و لكن ما رأيت أحدا نبه عليها قبلي إلا إن كان و ما وصل إلي فإنه لا بد لأهل اللّٰه المتحققين بهذا المقام من إدراك هذا و لكن قد لا يجريه اللّٰه على ألسنتهم أو تتعذر على بعضهم العبارة عن ذلك و قد ذكرناها في كتابنا هذا في غير هذا الموضع بأبسط من هذا القول و أوضح من هذه العبارة

[صدقة التطوع أعلى من صدقة الفرض]

و بهذا الاعتبار تعلو صدقة التطوع على صدقة الفرض ابتداء فإن هذا التطوع أيضا قد يكون واجبا بإيجاب اللّٰه إذ أوجبه العبد على نفسه كالنذر فإن اللّٰه أوجبه بإيجاب العبد و غير النذر قد يلحق بهذا الباب

قال الأعرابي في صحيح الحديث

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 590
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست