responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 232

السلام في مقابلة كلام إبليس أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فعرفنا الحق بمقام الاعتراف عند اللّٰه و ما ينتجه من السعادة لنتخذه طريقا في مخالفتنا و عرفنا بدعوى إبليس و مقالته لنحذر من مثلها عند مخالفتنا و أهبطت حواء للتناسل و أهبط إبليس للاغواء فكان هبوط آدم و حواء هبوط كرامة و هبوط إبليس هبوط خذلان و عقوية و اكتساب أو زار فإن معصيته كانت لا تقتضي تأبيد الشقاء فإنه لم يشرك بل افتخر بما خلقه اللّٰه عليه و كتبه شقيا و دار الشقاء مخصوصة بأهل الشرك فأنزله اللّٰه إلى الأرض ليسن الشرك بالوسوسة في قلوب العباد فإذا أشركوا و تبرأ إبليس من المشرك و من الشرك لم ينفعه تبريه منه فإنه هو الذي قال له اكفر كما أخبر اللّٰه تعالى فحار عليه وزر كل مشرك في العالم و إن كان موحدا فإنه من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها

[الشرك و التوحيد]

فإن الشخص الطبيعي كإبليس و بنى آدم لا بد أن يتصور في نفسه مثال ما يريد أن يبرزه فما سن الشرك و وسوس به حتى تصوره في نفسه على الصورة التي إذا حصلت في نفس المشرك زالت عنه صورة التوحيد فإذا تصورها في نفسه بهذه الصورة فقد خرج التوحيد عن تصوره في نفسه ضرورة فإن الشريك متصور له في نفسه إلى جانب الحق الذي في نفسه متخيلا أعني من العلم بوجوده فما تركه في نفسه وحده فكان إبليس مشركا في نفسه بلا شك و لا ريب و لا بد أن يحفظ في نفسه بقاء صورة الشريك ليمد بها المشركين مع الأنفاس فإنه خائف منهم أن تزول عنهم صفة الشرك فيوحدوا اللّٰه فيسعدوا فلا يزال إبليس يحفظ صورة الشرك في نفسه و يراقب بها قلوب المشركين الكائنين في الوقت شرقا و غربا و جنوبا و شمالا و يرد بها الموحدين في المستقبل إلى الشرك ممن ليس بمشرك فلا ينفك إبليس دائما على الشرك فبذلك أشقاه اللّٰه لأنه لا يقدر أن يتصور التوحيد نفسا واحدا لملازمته هذه الصفة و حرصه على بقائها في نفس المشرك فإنها لو ذهبت من نفسه لم يجد المشرك من يحدثه في نفسه بالشرك فيذهب الشرك عنه و يكون إبليس لا يتصور الشريك لأنه قد زالت عن نفسه صورة الشريك فيكون لا يعلم أن ذلك المشرك قد زال عن إشراكه فدل إن الشريك يستصحب إبليس دائما فهو أول مشرك بالله و أول من سن الشرك و هو أشقى العالمين فلذلك يطمع في الرحمة من عين المنة و لهذا قلنا إن العقوبة في حق آدم إنما كانت في جمعه مع إبليس في الضمير حيث خاطبهم الحق بالهبوط بالكلام الذي يليق بجلاله و لكن لا بد أن يكون في الكلام الصفة التي يقتضيها لفظ الضمير فإن صورة اللفظ يطلب المعنى الخاص و هذه طريقة لم تجعل العلماء وبالها من ذلك

[خطيئة العارفين و خطيئة العامة]

و إنما ذكرنا مسألة آدم تأنيسا لأهل اللّٰه تعالى إذا زالوا فحطوا عن مقامهم أن ذلك الانحطاط لا يقضي بشقائهم و لا بد بل يكون هبوطهم كهبوط آدم فإن اللّٰه لا يتحيز و لا يتقيد و إذا كان الأمر على هذا الحد و كان اللّٰه بهذه الصفة من عدم التقييد فيكون عين هبوط الولي عند الزلة و ما قام به من الذلة و الحياء و الانكسار فيها عين الترقي إلى أعلى مما كان فيه لأن علوه بالمعرفة و الحال و قد يزيد من العلم بالله ما لم يكن عنده و من الحال و هو الذلة و الانكسار ما لم يكن عليهما و هذا هو عين الترقي إلى مقام أشرف فإذا فقد الإنسان هذه الحالة في زلته و لم يندم و لا انكسر و لا ذل و لا خاف مقام ربه فليس من أهل هذه الطريقة بل ذلك جليس إبليس بل إبليس أحسن حالا منه لأنه يقول لمن يطيعه في الكفر إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخٰافُ اللّٰهَ رَبَّ الْعٰالَمِينَ و نحن إنما نتكلم على زلات أهل اللّٰه إذا وقعت منهم قال تعالى وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلىٰ مٰا فَعَلُوا و

قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم الندم توبة و إنما الإنسان الولي إذا كان في المقام الذي كان و الحال التي كان عليها ملتذا بها فلذته إنما كانت بحاله فإن اللّٰه يتعالى أن يلتذ به فلما زل وعرته حالة الذلة و الانكسار زالت ضرورة الحالة التي كان يلتذ بوجودها و هي حالة الطاعة و الموافقة فلما فقدها نخيل أنه انحط من عين اللّٰه و إنما تلك الحالة لما زالت عنه انحط عنها إذ كانت حالة تقتضي الرفعة و هو الآن في معراج الذلة و الندم و الافتقار و الانكسار و الاعتراف و الأدب مع اللّٰه تعالى و الحياء منه فهو يترقى في هذا المعراج فيجد هذا العبد في غاية هذا المعراج حالة أشرف من الحالة التي كان عليها فعند ذلك يعلم أنه ما انحط و أته ترقي من حيث لا يشعر أنه في ترق و أخفى اللّٰه ذلك عن أوليائه لئلا يجترءوا عليه في المخالفات كما أخفى الاستدراج فيمن أشقاه اللّٰه فقال سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَعْلَمُونَ فهم كما قال اللّٰه تعالى فيهم وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً كذلك أخفى سبحانه تقريبه و عنايته فيمن

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 232
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست