responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 233

أسعده اللّٰه بما شغله اللّٰه به من البكاء على ذنبه و مشاهدته زلته و نظره إليها في كتابه و ذهل عن إن ذلك الندم يعطيه الترقي عند اللّٰه فإنه ما بشره بقبول التوبة فهو متحقق وقوع الزلة حاكم عليه الانكسار و الحياء مما وقع فيه و إن لم يؤاخذه اللّٰه بذلك الذنب فكان الاستدراج حاصلا في الخير و الشر و في السعداء و الأشقياء و لقيت بمدينة فاس رجلا عليه كآبة كأنه يخدم في الأتون فسألت أبا العباس الحصار و كان من كبار الشيوخ عنه فإني رأيته يجالسه و يحن إليه فقال لي هذا رجل كان في مقام فانحط عنه فكان في هذا المقام و كان من الحياء و الانكسار بحالة وجبت عليه السكوت عن كلام الخلق فما زلت ألاطفه بمثل هذه الأدوية و أزيل عنه مرض تلك الزلة بمثل هذا العلاج و كان قد مكنني من نفسه فلم أزل به حتى سرى ذلك الدواء في أعضائه فأطلق محياه و فتح له في عين قلبه باب إلى قبوله و مع هذا فكان الحياء يستلزمه و كذلك ينبغي أن تكون زلات الأكابر غالبا نزولهم إلى المباحات لا غير و في حكم النادر تقع منهم الكبائر قيل لأبي يزيد البسطامي رضي اللّٰه عنه أ يعصي العارف فقال وَ كٰانَ أَمْرُ اللّٰهِ قَدَراً مَقْدُوراً يريد أن معصيتهم بحكم القدر النافذ فيهم لا أنهم يقصدون انتهاك حرمات اللّٰه هم بحمد اللّٰه إذا كانوا أولياء عند اللّٰه تعالى و جل معصومون في هذا المقام فلا تصدر منهم معصية أصلا انتهاكا لحرمة اللّٰه كمعاصي الغير فإن الايمان المكتوب في القلوب يمنع من ذلك فمنهم من يعصي غفلة و منهم من يخالف على حضور عن كشف إلهي قد عرفه اللّٰه فيه ما قدره عليه قبل وقوعه فهو على بصيرة من أمره و بينة من ربه و هذه الحالة بمنزلة البشرى في قوله لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ فقد أعلمه بالذنوب الواقعة المغفورة فلا حكم لها و لا لسلطانها فيه فإنه إذا جاء وقت ظهورها يكون في صحبتها الاسم الغفار فتنزل بالعبد و يحجب الغفار حكمها فتكون بمنزلة من يلقي في النار و لا يحترق كإبراهيم عليه السلام فكان في النار و لا حكم لها فيه بالحجاب الذي هو المانع كذلك زلة العارف صاحب مقام الكشف للاقدار تحل به النازلة و حكمها بمعزل عنها فلا تؤثر في مقامه بخلاف من تحل فيه و هو على غير بينة و لا بصيرة بما قدر عليه فهذا يستلزمه الحياء و الندم و الذلة و ذلك ليس كذلك و هنا أسرار إلهية لا يسعنا التعبير عنها

[البساط و عدم الانبساط أو العبادة و العبودية]

و بعد أن فهمناك مراتبهم في هذا المقام و فرقنا لك بين معصية العارفين و بين معاصي العامة من علماء الرسوم و مقلديهم فاعلم أنه حكي عن بعضهم أنه قال اقعد على البساط يريد بساط العبادة و إياك و الانبساط أي التزم ما تعطيه حقيقة العبودة من حيث إنها مكلفة بأمور حدها له سيدها فإنه لو لا تلك الأمور لاقتضي مقامها الإدلال و الفخر و الزهو من أجل مقام من هو عبد له و منزلته كما زها يوما عتبة الغلام و افتخر فقيل له ما هذا الزهو الذي نراه في شمائلك مما لم يكن يعرف قبل ذلك منك فقال و كيف لا أزهو و قد أصبح لي مولى و أصبحت له عبدا فما قبض العبيد من الإدلال و أن يكونوا في الدنيا مثل ما هم في الآخرة إلا التكليف فهم في شغل بأوامر سيدهم إلى أن يفرغوا منها فإذا لم يبق لهم شغل قاموا في مقام الإدلال الذي تقتضيه العبودية و ذلك لا يكون إلا في الدار الآخرة فإن التكليف لهم مع الأنفاس في الدار الدنيا فكل صاحب إدلال في هذه الدار فقد نقص من المعرفة بالله على قدر إدلاله و لا يبلغ درجة غيره ممن ليس له إدلال أبدا فإنه فاتته أنفاس كثيرة في حال إدلاله غاب عما يجب عليه فيها من التكليف الذي يناقض الاشتغال به الإدلال فليست الدنيا بدار إدلال أ لا ترى عبد القادر الجيلي مع إدلاله لما حضرته الوفاة و بقي عليه من أنفاسه في هذه الدار ذلك القدر الزماني وضع خده في الأرض و اعترف بأن الذي هو فيه الآن هو الحق الذي ينبغي أن يكون العبد عليه في هذه الدار و سبب ذلك أنه كان في أوقات صاحب إدلال لما كان الحق يعرفه به من حوادث الأكوان و عصم اللّٰه أبا السعود تلميذه من ذلك الإدلال فلازم العبودية المكلفة مع الأنفاس إلى حين موته فما حكي أنه تغير عليه الحال عند موته كما تغير على شيخه عبد القادر و حكى لنا الثقة عندنا قال سمعته يقول طريق عبد القادر في طرق الأولياء غريب و طريقنا في طرق عبد القادر غريب رضي اللّٰه عن جميعهم و نفعنا بهم و اللّٰه يعصمنا من المخالفات و إن كانت قدرت علينا فالله أسأل أن يجعلنا في ارتكابها على بصيرة حتى يكون لنا بها ارتقاء درجات وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

(الباب الأربعون)
في معرفة منزل مجاور لعلم جزئي من علوم الكون و ترتيبه و غرائبه و أقطابه

نظم يتضمن ما ترجمنا عليه

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 233
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست