أوّلا إلاّ لضروريات معاشه،ثمّ يجترئ فيأخذ منها للتوسعة على نفسه و عياله، ثمّ يأخذ منها للتجملات و الملابس الجيّدة و الحلّي و الحلل لعياله،ثمّ يأخذ منها ما يشتري بها أملاكا ليعيش بمنافعها عياله بعده و يقع لذلك في المحرّم..
فاللازم العزم على عدم الأخذ حتّى عند الضرورة حتّى لا يقع في الحرام من حيث لا يشعر.
و قد انتقل قدّس سرّه إلى رضوان اللّه تعالى و لم تكن له دار للسكن و لا عقار،بل كان يسكن بالكروة [1]،و لقد أرادوا مرارا شراء مسكن له فأبى و امتنع خوفا من أن يحسب المعطي الثمن من الحقوق في بعض الموارد و من المنّة من الواسطة في بعض آخر.
و قد ربّانا قدّس سرّه كذلك حتّى أنّه صار اعتقاد لزوم التجنب من صرف الحقوق على أنفسنا مجبول طباعنا.
و قد اتفق في سفر خراسان مرارا أنّي كنت معسرا و لم أكن أقبل الهدايا-لما تأتي إليه الإشارة-فحيث لم أكن أجد من أستقرض منه كنت آخذ من الحقوق المنطبقة علينا بعنوان القرض..فلمّا وردنا النجف الأشرف بعت جملة من كتبي و أوفيت تلك الحقوق الّتي استقرضتها.
و قد سلّم إليه شخص مبلغا وافيا هديّة ليس فيها حقّ ليشتري به دارا لسكناه.فاستنطقه أنّي أشتري دارا لي أو لأولادي؟فقال:بل لك،فأخذ المال و قسّمه في طلبة العلم و الفقراء..فأتاه صاحب المال و قال:إني أعطيتك المال لتشتري دارا؟!فقال:إنّي استنطقتك فقلت:اشتر به دارا لك..فاشتريت به دارا لي،و لو قلت:لأولادك،لكنت أشتري به دارا في الدنيا.
[1] الكراء من الكري-بالفتح-فعيل بمعنى مفتعل،و يراد به:المكتري،قيل:هو من الأضداد يقال لهما،و يأتي فيما اذا طال أو قصر،و زاد أو نقص..و الكراء-بالكسر-أجرة المستأجر.لاحظ:النهاية 169/4-170،و مجمع البحرين 358/1.