وقوله : (نَبْتَلِيهِ) في موضع الحال ، أي : مبتلين له ، بمعنى : مريدين
اختباره ، كقولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، تريد : قاصدا به الصيد غدا.
أو ناقلين له
من حال إلى حال ، فاستعير له الابتلاء. وعن ابن عبّاس : نصرّفه في بطن أمّه نطفة
ثمّ علقة.
(فَجَعَلْناهُ
سَمِيعاً بَصِيراً) ليتمكّن من مشاهدة الدلائل واستماع الآيات.
فهو كالمسبّب من
الابتلاء ، ولذلك عطف بالفاء على قوله : «نبتليه» ، ورتّب عليه قوله :
(إِنَّا هَدَيْناهُ
السَّبِيلَ) أي : بنصب الدلائل وإنزال الآيات (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) حالان من الهاء. و «إمّا» للتفصيل أو التقسيم ، أي :
مكّنّاه وأقدرناه في حالتيه جميعا. أو دعوناه إلى الإسلام بأدلّة السمع والعقل ،
وقد كان معلوما منه أنّه يؤمن أو يكفر ، لإلزام الحجّة. أو مقسوما إليهما ، بعضهم
شاكر بالاهتداء والأخذ فيه ، وبعضهم كفور بالإعراض عنه. أو من السبيل. ووصفه
بالشكر والكفر مجاز ، أي : وعرّفناه السبيل ، إمّا سبيلا شاكرا ، وإمّا كفورا ،
كقوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ
النَّجْدَيْنِ)[١].
وعن الزجّاج :
معناه : ليختار إمّا السعادة وإمّا الشقاوة. والمراد : إمّا أن يختار بحسن اختياره
الشكر لله والاعتراف بنعمه ، فيصيب الحقّ ، وإمّا أن يكفر نعم الله ويجحد إحسانه ،
فيكون ضالّا عن الصواب ، فأيّهما اختار جوزي عليه بحسبه.
وهذا كقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ
فَلْيَكْفُرْ)[٢].
وفي الآية
دلالة على أنّ الله قد هدى جميع خلقه ، لأنّ اللفظ عامّ ، وإن كان