ثمّ حكى عن
اعتراف الملائكة بالعبوديّة ردّا على عبدتهم ، فقال : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) أي : وما منّا أحد إلّا له مقام معلوم في المعرفة
والعبادة ، والانتهاء إلى أمر الله في تدبير العالم ، مقصور عليه ، لا يتجاوز ما
أمر به ورتّب له ، كما لا يتجاوز صاحب المقام مقامه الّذي حدّ له. فحذف الموصوف ،
وهو : أحد ، وأقيمت الصفة ـ أعني : (إِلَّا لَهُ مَقامٌ
مَعْلُومٌ) ـ مقامه. ومثله ما
روي عن أمير
المؤمنين عليهالسلام : «فمنهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافّون
لا يتزايلون». «فمنهم راكع لا يقيم صلبه ، وساجد لا يرفع رأسه».
ويحتمل أن يكون
هذا وما قبله ـ من قوله : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا
يَصِفُونَ) ـ يتّصل بقوله : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ
الْجِنَّةُ). كأنّه قال : ولقد علمت الملائكة وشهدوا أنّ المشركين
مفترون عليه في مناسبة ربّ العزّة ، وقالوا : «سبحان الله» تنزيها له عنه. ثمّ
استثنوا المخلصين تبرئة لهم بهذا القول. ثمّ خاطبوا الكفرة بأنّ الافتتان بذلك
للشقاوة المقدّرة. ثمّ اعترفوا بالعبوديّة ، وبتفاوت مراتبهم فيها لا يتجاوزونها.
(وَإِنَّا لَنَحْنُ
الصَّافُّونَ) أقدامنا لأداء الطاعة ومنازل العبادة ، مذعنين خاضعين (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) المنزّهون الله عمّا لا يليق به. ويمكن أن يكون الأوّل
إشارة إلى درجاتهم في الطاعات ، وهذا في المعارف. و «إنّ» واللام وتوسيط الفصل
للتأكيد والاختصاص الدالّين على أنّهم المواظبون على ذلك دائما من غير فترة دون
غيرهم.