في الأنفس والأموال ، حتّى يبلو صبرهم ، وثبات أقدامهم ، وصحّة عقائدهم ،
ونصوح نيّاتهم ، ليتميّز المخلص من غير المخلص ، والراسخ في الدين من المضطرب ،
والمتمكّن من العابد على حرف ، كما قال تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي
أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[١].
وروي : أنّها
نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد جزعوا من أذى المشركين.
وقيل : في
عمّار بن ياسر. وكان يعذّب في الله.
وقيل : في ناس
أسلموا بمكّة ، فكتب إليهم المهاجرون : لا يقبل منكم إسلامكم حتّى تهاجروا. فخرجوا
، فتبعهم المشركون فردّوهم. فلمّا نزلت كتبوا بها إليهم ، فخرجوا فأتبعهم المشركون
فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ، ومنهم من نجا.
ثمّ سلّى
المؤمنين ليتحمّلوا صنوف المصائب وفنون النوائب ، بقوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) متّصل بـ «أحسب» كقولك : ألا يمتحن فلان وقد امتحن من
هو خير منه. أو بـ «لا يفتنون». والمعنى : أنّ أتباع الأنبياء قبلي قد أصابهم من
الفتن والمحن نحو ما أصابهم ، أو ما هو أشدّ منه ، فصبروا ، كما قال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ
رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا)[٢] الآية. ولمّا كان ذلك سنّة قديمة جارية في الأمم كلّها
، فلا يتوقّع خلافه.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «قد كان من قبلكم يؤخذ فيوضع المنشار على رأسه فيفرّق
فرقتين ، ما يصرفه ذلك عن دينه. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب ، ما
يصرفه ذلك عن دينه».