(فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ
الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) فليتعلّقنّ علمه تعالى بالامتحان تعلّقا حاليّا ،
يتميّز به الّذين صدقوا في الإيمان والّذين كذبوا فيه ، وينوط به ثوابهم وعقابهم.
ولذلك قيل : المعنى : وليميّزنّ أو ليجازينّ.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ
يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) الكفر والمعاصي ، فإنّ العمل يعمّ أفعال القلوب
والجوارح (أَنْ يَسْبِقُونا) أن يفوتونا فوت السابق لغيره ، ويعجزونا ، فلا نقدر أن
نجازيهم على مساويهم. يعني : أنّ الجزاء يلحقهم لا محالة ، وهم لم يطمعوا في الفوت
، ولم يحدّثوا به نفوسهم ، ولكنّهم لغفلتهم ، وقلّة فكرهم في العاقبة ، وإصرارهم
على المعاصي ، في صورة من يقدر ذلك ، ويطمع فيه. ونظيره : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ)[١]. (وَلا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ)[٢].
واعلم أنّ «أن
يسبقونا» سادّ مسدّ مفعولي «حسب» ، لاشتمال صلة «أن» على مسند ومسند إليه ، كقوله
: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ)[٣].
ويجوز أن يضمنّ
«حسب» معنى قدّر ، و «أم» منقطعة. ومعنى الإضراب فيها : أنّ هذا الحسبان أبطل من
الحسبان الأوّل ، لأنّ ذلك يقدّر أنّه لا يمتحن لإيمانه ، وهذا يظنّ أنّه لا يجازى
بمساويه. ولهذا عقّبه بقوله : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي : بئس الّذي يحكمونه حكمهم هذا. أو بئس حكما يحكمونه
حكمهم هذا. فحذف المخصوص بالذمّ.
(مَنْ كانَ يَرْجُوا
لِقاءَ اللهِ) الوصول إلى العاقبة ، من الموت والبعث والحساب والجزاء.
على تمثيل حاله بحال عبد قدم على سيّده بعد زمان مديد ، وقد اطّلع السيّد على ما
يأتي ويذر ، فإمّا أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله ، أو