ولمّا بيّن لهم
ما يتعرّفون به أمر الرسول وما جاء به وميّز لهم الحقّ عن الباطل رتّب عليه ما هو
كالتتمّة ، وهو قوله : (فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) يعني : أنّكم إذا اجتهدتم في معارضته ولم تعارضوه بسورة
مثله ، وعجزتم جميعا عن الإتيان بما يساويه أو يدانيه ، ولن يتيسّر لكم ذلك أصلا ،
ظهر لكم أنّه معجز ، والتصديق به واجب ، فآمنوا به ، وإن لم تؤمنوا به وتكذّبوه مع
وضوح حقّيّته عندكم (فَاتَّقُوا النَّارَ
الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) أي : فاتّقوا العذاب المعدّ لمن كذّب.
وعبّر عن
الإتيان الموصوف بالصفة المذكورة بالفعل الّذي يعمّ الإتيان وغيره إيجازا ، فإنّه
لو قيل : فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بمثله ، لاستطيل الكلام. ونزّل
لازم الجزاء منزلته ـ وهو : فاتركوا العناد ـ على سبيل الكناية ، تقريرا للمكنّى
عنه ، وتهويلا لشأن العناد ، وتصريحا بالوعيد مع الإيجاز.
وصدّر الشرطيّة
بـ «إن» التي للشكّ والحال يقتضي «إذا» الّذي للوجوب ، فإنّ القائل سبحانه لم يكن
شاكّا في عجزهم ، ولذلك نفى إتيانهم نفي تأبيد معترضا بين الشرط والجزاء ، تهكّما
بهم ، وخطابا معهم على حسب ظنّهم ، فإنّ العجز قبل التأمّل لم يكن محقّقا عندهم.
و «تفعلوا» جزم
بـ «لم» لا بـ «إن» الشرط ، لأنّها واجبة الإعمال مختصّة بالمضارع متّصلة بالمعمول
، ولأنّها لمّا صيّرته ماضيا صارت كالجزء منه ، وحرف الشرط كالداخل على المجموع ،
فكأنّه قال : فإن تركتم الفعل ولا تقدرون على إتيانه في مستقبل الزمان ، ولذلك ساغ
اجتماعهما ، فإنّ الأصل أن لا يدخل الحرفان المتجانسان في العمل على معمول واحد.
و «لن» كـ «لا»
في نفي المستقبل غير أنّه أبلغ ، لأنّه موضوع للنفي تأكيدا أو تأييدا. والوقود
بالفتح : ما توقد به النار ، وبالضمّ مصدر. والحجارة : جمع حجر ،