كجمالة جمع جمل. والمراد بها الأصنام الّتي نحتوها ، وقرنوا بها أنفسهم ،
وعبدوها طمعا في شفاعتها ، والانتفاع بها ، واستدفاع المضارّ بمكانتها. ويدلّ عليه
قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ)[١]. فعذّبوا بما هو منشأ جرمهم كما عذّب الكانزون بما
كنزوه ، أو بنقيض ما كانوا يتوقّعون زيادة في تحسّرهم.
وعن ابن عبّاس
أنّها حجارة الكبريت ، فإنّ حرارتها أشدّ وأبلغ. ولعلّ المراد من هذه الرواية ـ بعد
تسليم صحّتها ـ أنّ الأحجار كلّها لتلك النّار كحجارة الكبريت لسائر النيران. وهذا
الاحتمال أدخل في المقصود ، إذ الغرض تهويل شأن نار الآخرة وتفاقم لهبها بحيث
تتّقد بما لا يتّقد به غيرها ، والكبريت يتّقد به كلّ نار وإن ضعفت. فالمعنى :
أنّها نار ممتازة عن غيرها من النيران ، لأنّها لا تتّقد إلّا بالناس والحجارة.
ولمّا كانت
الآية مدنيّة نزلت بعد ما نزل بمكّة قوله تعالى في سورة التحريم :
(ناراً وَقُودُهَا
النَّاسُ وَالْحِجارَةُ)[٢] ، صحّ تعريف النار ووقوع الجملة صلة ، فإنّها تجب أن
تكون قصّة معلومة.
ثمّ قال
استئنافا : (أُعِدَّتْ
لِلْكافِرِينَ) أي : هيّئت لهم النار المنعوتة ، وجعلت عدّة لعذابهم.
ويجوز أن تكون الجملة حالا بإضمار «قد» من «النار» لا الضمير الّذي في «وقودها»
للفصل بينهما بالخبر.
واعلم أنّ في
الآيتين ما يدلّ على النبوّة من وجوه :
[٢] التحريم : ٦.
والقول بأن الآية مكّية للزمخشري في الكشّاف (١ : ١٠٢) ، وتبعه عليه المصنّف «قده».
وأطبق المفسّرون على أنّها مدنيّة ، واشتمالها على قصّة مارية زوجة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
المشهورة أصدق شاهد على ذلك. والظاهر أنه وهم منه ، مع أنه صرّح في تفسير سورة
التحريم (الكشّاف ٤ : ٥٦٢) بأنّها مدنيّة.