لَكُمْ). خروج الثمار بقدرة الله تعالى ومشيئته ، ولكن جعل
الماء الممزوج بالتراب سببا في إخراجها ومادّة لها كالنطفة للحيوان ، بأن أجرى
عادته بإفاضة صورها وكيفيّاتها على المادّة الممتزجة منهما ، وأودع في الماء قوّة
فاعلة وفي الأرض قوّة قابلة يتولّد من اجتماعهما أنواع الثمار. وهو قادر على أن
يوجد الأشياء كلّها بلا أسباب وموادّ ، كما أبدع نفوس الأسباب والموادّ ، ولكن له
في إنشائها مدرجا من حال إلى حال صنائع وحكم ، يجدّد فيها لاولي الأبصار عبرا ،
وسكونا إلى عظيم قدرته ، ليس في إيجادها دفعة.
و «من» الاولى
للابتداء ، سواء أريد بالسماء السحاب ، فإن ما علاك سماء ، أو الفلك ، فإنّ المطر
يبتدئ من السماء إلى السحاب ومنه إلى الأرض ، كما دلّت عليه ظواهر الكتاب والسنّة
، أو من أسباب سماويّة تثير الأجزاء الرطبة من أعماق الأرض إلى جوّ الهواء فتنعقد
سحابا ماطرا.
و «من» الثانية
للتبعيض ، بدليل قوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا بِهِ
ثَمَراتٍ)[١] ، واكتناف المنكرين له أعني : ماء ورزقا ، كأنّه قال :
وأنزلنا من السماء بعض الماء فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم. وهكذا
الواقع ، إذ لم ينزل من السماء الماء كلّه ، ولا أخرج بالمطر كلّ الثمار ، ولا جعل
كلّ المرزوق ثمارا. أو للتبيين و «رزقا» مفعول به بمعنى المرزوق ، كقولك : أنفقت
من الدراهم ألفا.
وإنّما ساغ «الثمرات»
والموضع موضع الكثرة ، لأنّه أراد بها جماعة الثمرة الّتي في قولك : أدركت ثمرة
بستانه أي : بعضها ، أو لأنّ الجموع يتعاور بعضها موقع بعض ، كقوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ)[٢] وقوله : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)[٣] موضع