وقيل : تعليل
للخلق ، أي : خلقكم لكي تتّقون ، كما قال : (وَما خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[١]. وهو ضعيف ، إذ لم يثبت في اللغة مثله. وغلّب المخاطبين
على الغائبين على إرادتهم جميعا. ولمّا كانت التقوى ليست غير العبادة حتى يؤدّي
ذلك إلى تنافر النظم ، فلا يرد : هلّا قيل : تعبدون ، لأجل «اعبدوا» ، أو : اتّقوا
لمكان «تتّقون». والآية تدلّ على أنّ الطريق إلى معرفة الله تعالى والعلم
بوحدانيّته واستحقاقه للعبادة النظر في صنعه والاستدلال بأفعاله.
ثم بيّن نعمة
اخرى موجبة لاستحقاق معبوديّته فقال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الْأَرْضَ فِراشاً). وهو صفة ثانية ، أو مدح منصوب أو مرفوع ، أو مبتدأ
خبره «فلا تجعلوا». و «جعل» يجيء بمعنى : أوجد ، فيتعدّى إلى مفعول واحد ، كقوله
تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ
وَالنُّورَ)[٢]. وبمعنى : صيّر ، ويتعدّى إلى مفعولين ، كقوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) أي : صيّر بعض جوانبها بارزا عن الماء ، مع ما في طبع
الماء من الإحاطة بها ، وجعلها متوسّطة بين الصلابة واللطافة ، حتى صارت مهيّأة
لأن يقعدوا ويناموا عليها كالفراش المبسوط ، وذلك لا يستدعي كونها مسطّحة ، لأنّ
كرويّة شكلها مع عظم حجمها واتّساع جرمها لا تأبى الافتراش عليها.
(وَالسَّماءَ بِناءً) أي : جعلها قبّة مضروبة عليكم. والسماء اسم جنس يقع على
الواحد والمتعدّد ، كالدينار والدرهم. وقيل : جمع سماءة. والبناء مصدر سمّي به
المبنيّ ، بيتا كان أو قبّة أو خباء. ومنه : بنى على امرأته ، لأنّهم كانوا إذا
تزوّجوا ضربوا عليها خباء جديدا.