الأقراء ، أو لأنّها لمّا كانت محلّاة باللام خرجت عن حدّ القلّة ، أو
تنبيها على قلّة ثمار الدنيا في جنب ثمار الآخرة.
و «لكم» صفة «رزقا»
إن أريد به المرزوق ، ومفعوله إن أريد به المصدر ، فكأنّه قال : رزقا إيّاكم.
ولمّا علمتم
أنّ الله ربّكم ومنعمكم النعم السابقة لا غير فإيّاه اعبدوا (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً). متعلّق بـ «اعبدوا» على أنّه نهي معطوف عليه ، أو نفي
منصوب بإضمار «أن» جواب له. والندّ المثل المناوئ ، من : ندّ ندودا إذا نفر ،
وناددت الرجل : إذا خالفته. خصّ بالمخالف المماثل في الذات ، كما خصّ المساوي
بالمماثل في القدر. وتسمية ما يعبده المشركون من دون الله أندادا ، وما زعموا
أنّها تساويه في ذاته وصفاته ، ولا أنّها تخالفه في أفعاله ، لأنّهم لمّا تركوا
عبادته إلى عبادتها وسمّوها آلهة شابهت حالهم حال من يعتقد أنّها ذوات واجبة
بالذات ، قادرة على أن تدفع عنهم بأس الله ، وتمنحهم ما لم يرد الله بهم من خير ،
فتهكّم بهم ، وشنع عليهم بأن جعلوا أندادا لمن يمتنع أن يكون له ندّ.
وقوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) حال من ضمير (فَلا تَجْعَلُوا) ، ومفعول «تعلمون» مطروح ، أي : وحالكم أنّكم من أهل
العلم والنظر وإصابة الرأي في دقائق الأمور وغوامض الأحوال ، فلو تأمّلتم أدنى
تأمّل اضطرّ عقلكم إلى إثبات موجد للممكنات ، متفرّد بوجوب الذات ، متعال عن
مشابهة المخلوقات.
واعلم أنّ الله
سبحانه قدّم في هاتين الآيتين من موجبات عبادته ومكوّنات حقّ الشكر له خلقهم أحياء
قادرين أوّلا ، لأنه سابقة أصول النعم ومقدّمتها ، والسبب في التمكّن من العبادة
والشكر وغيرهما ، ثم خلق الأرض الّتي هي مكانهم ومستقرّهم الّذي لا بدّ لهم منه ،
وهي بمنزلة عرصة المسكن ومتقلّبه ومفترشه ، ثم خلق السّماء الّتي هي كالقبّة
المضروبة والخيمة المطنبة على هذا القرار ، ثم ما