صفات النبيّ وغيرها ، فقال : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ) أي : اذكر وقت أخذه (مِيثاقَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتابَ) يريد به علماءهم (لَتُبَيِّنُنَّهُ
لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) حكاية لمخاطبتهم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في
رواية ابن عيّاش بالياء ، لأنّهم غيّب. واللام جواب القسم الّذي ناب عنه قوله : «أخذ
الله ميثاق الّذين». والضمير المنصوب في الفعلين للكتاب.
(فَنَبَذُوهُ) أي : الميثاق (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) فلم يراعوه ، ولم يلتفتوا إليه ، ولم يعلموا به. والنبذ
وراء الظهر مثل في ترك الاعتداد وعدم الالتفات ، ونقيضه جعله نصب عينيه ، وألقاه
بين عينيه. (وَاشْتَرَوْا بِهِ) وأخذوا بدله (ثَمَناً قَلِيلاً) من حطام الدنيا وأغراضها (فَبِئْسَ ما
يَشْتَرُونَ) يختارون لأنفسهم.
وفيه دلالة على
أنّه واجب على العلماء أن يبيّنوا الحقّ للناس ، ولا يكتموا شيئا منه لغرض فاسد ،
من جرّ منفعة ، أو لبخل بالعلم ، أو تطييب لنفس ظالم ، أو غير ذلك. وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من كتم علما عن أهله ألجم بلجام من نار».
وروي الثعلبي
في تفسيره بإسناده عن الحسن بن عمارة قال : «أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث
فألفيته على بابه ، فقلت : إن رأيت أن تحدّثني؟ فقال : أما علمت أنّي تركت الحديث؟
فقلت : إمّا أن تحدّثني ، وإمّا أن أحدّثك. فقال : حدّثني. فقلت : حدّثني الحكم بن
عيينة ، عن نجم الجزّار ، قال : سمعت عليّ بن أبي طالب يقول : ما أخذ الله على أهل
الجهل أن يتعلّموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا. قال : فحدّثني أربعين حديثا».
وعن محمد بن
كعب : لا يحلّ لأحد من العلماء أن يسكت على علمه ، ولا يحلّ لجاهل أن يسكت على
جهله حتى يسأل.