فيؤجروا ، فقال : (لَتُبْلَوُنَ) أي : والله لتختبرنّ ، وتوقع عليكم المحن ، وتلحقكم
الشدائد (فِي أَمْوالِكُمْ) بتكليف الإنفاق ، وما يصيبها من الآفات (وَأَنْفُسِكُمْ) بالجهاد والقتل والأسر والجراح ، وما يرد عليها من
المخاوف والأمراض والمتاعب. وإنّما سمّي ذلك بلوى مجازا ، فإنّ حقيقة البلوى
الاختبار. والتجربة لا يجوز على الله تعالى ، لأنّه العالم بالأشياء قبل كونها ،
وإنّما يفعل ذلك ليتميّز المحقّ عن المبطل.
(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) يعني : اليهود والنصارى (وَمِنَ الَّذِينَ
أَشْرَكُوا) يعني : كفّار مكّة وغيرهم (أَذىً كَثِيراً) من هجاء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والطعن في الإسلام ، وإغراء الكفرة على المسلمين.
أخبرهم بذلك قبل وقوعها ليوطّنوا أنفسهم على ما سيلقونه من الأذى والشدائد والصبر
عليها ، ويستعدّوا للقائها حتّى لا يزلزلهم نزولها.
(وَإِنْ تَصْبِرُوا) على ذلك ولم تجزعوا (وَتَتَّقُوا) مخالفة أمر الله (فَإِنَّ ذلِكَ) يعني : الصبر والتقوى (مِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ) من معزومات الأمور الّتي يجب العزم عليها ، أو ذلك
البلاء من محكم الأمور الّذي عزم الله عليه أن يكون وبالغ فيه. والعزم في الأصل
ثبات الرأي على الشيء ، نحو إمضائه.
قيل : نزلت هذه
الآية في كعب بن الأشرف ، وكان يهجو النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين ، ويحرّض المشركين عليهم ، ويشبّب بنساء
المسلمين. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : من لي بابن الأشرف؟ فقال محمد بن سلمة : أنا يا رسول
الله. فخرج هو وأبو نائلة مع جماعة فقتلوه غيلة ، وأتوا برأسه إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم آخر الليل وهو قائم يصلّي.