ومعنى الآية :
كيف يهديهم الله إلى طريق الإيمان ، وقد تركوا هذا الطريق؟! وقيل : معناه : كيف
يلطف بهم الله وليسوا من أهل اللطف ، لما علم من تصميمهم على الكفر؟! ودلّ على تصميمهم
أنّهم كفروا بعد ما شهدوا بأنّ الرسول حقّ ، وبعد ما جاءتهم المعجزات التي تثبت
النبوّة.
(وَاللهُ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم بالإخلال بالنظر ، ووضع الكفر موضع
الإيمان ، فكيف من جاءهم الحقّ وعرفه ثم أعرض عنه ، أي : الله لا يسلك بالقوم
الظالمين مسلك المهتدين ، ولا يثيبهم ولا يهديهم إلى طريق الجنّة ، بل (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ) على أعمالهم وعقيدتهم (أَنَّ عَلَيْهِمْ
لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) هي إبعاده إيّاهم من رحمته ومغفرته ، وهي دعاؤهم عليهم
باللعنة ، وبأن يبعّدهم الله من رحمته.
(خالِدِينَ فِيها) أي : في اللعنة ، لخلودهم فيما استحقّوا باللعنة ، وهو
العذاب (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ
الْعَذابُ) لا يسهّل عليهم (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ولا يمهلون للتوبة ، ولا يؤخّر عنهم العذاب من وقت إلى
وقت.
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا
مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي : من بعد الارتداد (وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوا. ويجوز أن لا يقدّر له مفعول ، بمعنى :
ودخلوا في الصلاح (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يقبل توبته (رَحِيمٌ) يتفضّل عليه.
قيل : إنّها
نزلت في الحارث بن سويد بن الصامت ، وكان قتل المحذر بن زياد البلوي غدرا ، وهرب
وارتدّ عن الإسلام ، ولحق بمكّة ، ثمّ حين ندم على ردّته ، فأرسل إلى قومه أن
يسألوا هل لي من توبة؟ فأرسل إليه أخوه الجلاس بهذه الآية ، فرجع إلى المدينة
فتاب.
وقيل : نزلت في
أهل الكتاب الّذين كانوا يؤمنون بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل مبعثه ، ثمّ كفروا بعد البعثة حسدا وبغيا. والقول
الأوّل مرويّ عن أبي عبد الله عليهالسلام.