وفنحاص بن عازوراء استودعه قرشيّ آخر دينارا فجحده ، فنزلت فيهما : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ
بِقِنْطارٍ) أي : تجعله أمينا على مال كثير (يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) يردّه إليك عند المطالبة ، ولا يخون فيه ، كعبد الله بن
سلام (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ
تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ) أي : بمال قليل حقير (لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) عند المطالبة. كفنحاص. وفي بعض التفاسير [١] : المأمونون
على الكثير النصارى ، والغالب فيهم الأمانة ، والخائنون في القليل اليهود ، إذ
الغالب عليهم الخيانة. (إِلَّا ما دُمْتَ
عَلَيْهِ قائِماً) إلّا مدّة دوامك قائما على رأسه ، مبالغا في مطالبته
بالتقاضي والترافع إلى الحاكم وإقامة البيّنة.
(ذلِكَ) إشارة إلى ترك أداء الحقوق المدلول عليه بقوله : «لا
يؤدّه» (بِأَنَّهُمْ قالُوا) بسبب قولهم : (لَيْسَ عَلَيْنا فِي
الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) أي : ليس علينا في شأن من ليسوا من أهل الكتاب ، ولم
يكونوا على ديننا ، عتاب وذمّ في ترك أداء الحقوق إليهم (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) بادّعائهم ذلك (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنّهم كاذبون ، وذلك لأنّهم استحلّوا ظلم من خالفهم
وقالوا : لم يجعل لهم في التوراة حرمة.
وقيل : عامل
اليهود رجالا من قريش ، فلمّا أسلموا تقاضوهم ، فقالوا : سقط حقّكم حيث تركتم
دينكم ، وزعموا أنّه كذلك في كتابهم.
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال عند نزولها : «كذب أعداء الله ، ما من شيء في
الجاهليّة إلّا وهو تحت قدميّ ـ يعني : جميع ما في أديان الجاهليّة منسوخة ـ إلّا
الأمانة ، فإنّها مؤدّاة إلى البرّ والفاجر».
(بَلى) إثبات لما نفوه ، أي : بلى عليهم سبيل في الأميّين.
وقوله : (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ
وَاتَّقى) في ترك الخيانة والغدر (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُتَّقِينَ) جملة مستأنفة ، أي : مقرّرة للجملة التي سدّت «بلى»
مسدّها ، والضمير المجرور لـ «من» ومعناه : من أوفى بعهد نفسه أو لله. وعهد الله
إلى عباده عبارة عن أمره ونهيه.