عنده ، وبيّن أنّ الكتاب هدى ولطف لهم خاصّة ، قفّى على أثره بذكر أضدادهم
، وهم العتاة الأشقياء من الكفّار الّذين لا ينفع فيهم الهدى ، ولا يغني عنهم
الآيات والنذر ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) يا محمد (أَمْ لَمْ
تُنْذِرْهُمْ) أي : سواء عليهم إنذارك وترك إنذارك. والإنذار :
التخويف من عقاب الله تعالى. ولم يعطف قصّتهم على قصّة المؤمنين كما عطف في قوله :
(إِنَّ الْأَبْرارَ
لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)[١] لتباينهما في الغرض ، فإنّ الاولى سيقت لذكر الكتاب
وبيان شأنه ، والاخرى مسوقة لشرح تمرّدهم وانهماكهم في الضلال.
و «إنّ» من
الحروف الّتي شابهت الفعل المتعدّي في عدد الحروف ، والبناء على الفتح ، ولزوم
الأسماء ، وإعطاء معانيه ، ودخولها على اسمين ، ولذلك عملت عمله الفرعي وهو نصب
الجزء الأوّل ورفع الثاني ، إيذانا بأنّه فرع في العمل. وفائدة «أن» تأكيد النسبة
وتحقيقها.
وتعريف الموصول
إمّا للعهد ، والمراد به ناس بأعيانهم كأبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة
وأحبار اليهود ، أو للجنس يتناول كلّ من صمّم على الكفر.
والكفر لغة :
ستر النعمة ، وأصله الكفر بالفتح ، وهو السّتر. ومنه قيل للزارع والليل : كافر ،
ولكمام الثمرة : كافور. وفي الشرع : إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول به.
و «سواء» اسم
بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر ، وهو خبر «إن» ، و (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) مرفوع على الفاعليّة ، كأنّه قيل : إنّ الّذين كفروا
مستو عليهم إنذارك وعدمه. والفعل إنّما يمتنع الإخبار عنه إذا أريد به تمام ما وضع
له ، أما لو اطلق وأريد به اللفظ أو مطلق الحدث المدلول عليه ضمنا على الاتّساع