لبعض : ادخلوا في دين محمد أوّل النهار باللسان دون الاعتقاد ، واكفروا به
آخر النهار ، وقولوا : إنّا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فلم نجد محمّدا بالنعت
الذي ورد في التوراة ، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه ، فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في
دينه وقالوا : إنّهم أهل الكتاب وهم أعلم به منّا ، فيرجعون عن دينهم إلى دينكم ،
فنزلت : (وَقالَتْ طائِفَةٌ
مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ
النَّهارِ) أي : أظهروا الإيمان بالقرآن أوّل النهار (وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) واكفروا به آخر النّهار ، لعلّهم يشكّون في دينهم ظنّا
بأنّكم رجعتم لخلل ظهر لكم.
وقيل : المراد
بالطائفة كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ، قالا لأصحابهما لمّا حوّلت القبلة :
آمنوا بما أنزل عليهم من الصلاة إلى الكعبة ، وصلّوا إليها أوّل النهار ، ثمّ
صلّوا إلى الصخرة آخره ، لعلّهم يقولون هم أعلم منّا ، أي : لا تظهروا إيمانكم وجه
النهار إلّا لمن كان على دينكم ممّن أسلموا منكم ، فإنّ رجوعهم أرجى وأهمّ ، وقد
رجعوا فيرجعون.
(وَلا تُؤْمِنُوا
إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) ولا تقرّوا عن تصديق قلب إلّا لأهل دينكم (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) يهدي من يشاء إلى الإيمان ويثبّته عليه ، أي : يوفّق
الهداية لمن طلبها ، ولم ينفع حيلتكم ومكركم.
وقوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) متعلّق بمحذوف ، أي : دبّرتم ذلك وقلتم : لأن يؤتى أحد
مثل ما أوتيتم من النبوّة. والمعنى : أنّ الحسد حملكم على ذلك. أو متعلّق بـ «لا
تؤمنوا» وما بينهما اعتراض يدلّ على أن كيدهم لا ينفعهم ، أي : لا تظهروا إيمانكم
بأن يؤتى أو كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لأهل دينكم دون غيركم ، ولا
تفشوه إلى المسلمين لئلّا يزيد ثباتهم ، ولا إلى المشركين لئلّا يدعوهم إلى
الإسلام. أو خبر «إنّ» على أنّ «هدى الله» بدل من الهدى. وقراءة ابن كثير «أأن
يؤتى» على الاستفهام للتقريع ، تؤيّد الوجه الأوّل ، أي : ألأن يؤتى أحد دبّرتم.