و «من ربّك» خبره ، أي : الحقّ المذكور من الله (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) خطاب للنبيّ على طريقة التهييج ، لزيادة الطمأنينة
واليقين ، أو لكلّ سامع.
(فَمَنْ حَاجَّكَ) جادلك وخاصمك يا محمّد من النصارى (فِيهِ) في شأن عيسى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ) أي : من الأدلّة البيّنة الموجبة للعلم بأنّ عيسى عبدي
ورسولي (فَقُلْ تَعالَوْا) هلمّوا أيّها النصارى بالرأي والعزم إلى حجّة أخرى
قاضية فاصلة تميّز الصادق من الكاذب. وقوله : (نَدْعُ أَبْناءَنا
وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) جواب الأمر ، أي : يدع كلّ منّي ومنكم أبناءه أو نساءه
أو من نفسه كنفسه إلى المباهلة. وإنّما قدّم الأبناء والنساء على النفس لأنّ الرجل
يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم.
قال في الكشّاف
: «فإن قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبيّن الكاذب منه ومن خصمه ، وذلك
أمر يختصّ به وبمن يكاذبه ، فما معنى ضمّ الأبناء والنساء؟
قلت : ذلك آكد
في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حين استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ
كبده وأحبّ النّاس إليه ذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له ، وعلى ثقته بكذب خصمه
حتّى هلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة.
وخصّ الأبناء
والنساء لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب ، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم
حتى يقتل ، ومن ثمّ كانوا يسوقون مع الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ، ويسمّون
الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق.
وقدّمهم في
الذكر على الأنفس لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن بأنّهم مقدّمون على
الأنفس مفدون بها.
وفيه دليل لا
شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهمالسلام. وفيه برهان واضح على صحّة نبوّة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأنّه لم يروا أحد من موافق ولا مخالف أنّهم