كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ) موفّقين للإيمان ، فإنّ غيرهم لا ينتفع بالمعجزات ، أو
مصدّقين للحقّ غير معاندين.
(وَمُصَدِّقاً لِما
بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) عطف على «رسولا» على الوجهين ، أو منصوب بإضمار فعل دلّ
عليه «قد جئتكم» أي : وجئتكم مصدّقا.
(وَلِأُحِلَّ لَكُمْ) مقدّر بإضمار «جئتكم». أو محمول على قوله : «بآية» أي :
جئتكم بآية من ربّكم ولأحلّ لكم ، أو معطوف على معنى «مصدّقا» كقولهم : جئتك
معتذرا ولأطيّب قلبك (بَعْضَ الَّذِي
حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) أي : في شريعة موسى عليهالسلام ، كالشحوم ، والثروب [١] ، والسّمك ،
ولحوم الإبل ، والعمل في السبت. وهو يدلّ على أنّ شرعه كان ناسخا لشرع موسى. ولا
يخلّ ذلك بكونه مصدّقا للتوراة ، كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتناقض
وتكاذب ، فإنّ النسخ في الحقيقة بيان وتخصيص في الأزمان.
(وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أي : جئتكم بآية أخرى ألهمنيها ربّكم ، وهي قوله : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ
هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) فإنّه دعوة الحقّ المجمع عليها فيما بين الرّسل ،
الفارقة بين النبيّ والساحر. أو جئتكم بآية على أنّ الله ربّي وربّكم.
وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) اعتراض. والظاهر أنّه تكرير لقوله : (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : جئتكم بآية أخرى ممّا ذكرت لكم. وقوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) مرتّب عليه ، أي : لمّا جئتكم بالمعجزات القاهرة
والآيات الباهرة فاتّقوا الله في مخالفتي وتكذيبي ، وأطيعوني فيما أدعوكم إليه.
ثمّ شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل ، فقال : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) إشارة إلى استكمال القوّة النظريّة بالاعتقاد الحقّ
الذي غايته التوحيد. وقال : (فَاعْبُدُوهُ) إشارة إلى استكمال القوّة
[١] الثروب جمع
الثرب ، وهو الشحم الرقيق الذي على الكرش والأمعاء.