وعن أبي عبد
الله عليهالسلام : «أنّ لكلّ شيء ذروة ، وذروة القرآن آية الكرسي» [١].
ولمّا ذكر
سبحانه اختلاف الأمم وأنّه لو شاء لأكرههم على الدين ، ثمّ بيّن دين الحقّ وهو
التوحيد ، عقّبه بأنّ الحقّ قد ظهر والعبد قد خيّر ، فقال : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) يعني : لم يجر الله أمر الإيمان على القسر والإجبار ،
بل على التمكين والاختيار ، فأمور الدين جارية على التمكّن والاختيار ، لا على
القسر والإجبار. ونحوه (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ
لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ
حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)[٢] أي : لو شاء لأجبرهم على الإيمان ، لكنّه لم يفعل ،
وبنى الأمر على الاختيار. وقيل : هو بمعنى النهي ، أي : لا تكرهوا في الدين.
ثمّ قالوا : هو
منسوخ بآية السيف ، وهو قوله تعالى : (جاهِدِ الْكُفَّارَ
وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)[٣]. وقيل : مخصوص بأهل الكتاب إذا أدّوا الجزية ، لما روي
أنّ أنصاريّا كان له ابنان تنصّرا قبل المبعث ، ثمّ قدما المدينة فلزمهما أبوهما
وقال : والله لا أدعكما حتى تسلما ، فأبيا ، فاختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال الأنصاري : يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا
أنظر إليه فنزلت ، فخلّاهما.
(قَدْ تَبَيَّنَ
الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) قد تميّز الإيمان من الكفر بالآيات النيّرة والأدلّة
الواضحة ، ودلّت الدلائل على أنّ الإيمان رشد يوصل إلى السعادة الأبديّة ، والكفر
غيّ يؤدّي إلى الشقاوة السرمديّة ، والعاقل متى تبيّن له ذلك بادرت نفسه إلى
الإيمان طلبا للفوز بالسعادة والنجاة ، ولم يحتج إلى الإكراه والإلجاء.
(فَمَنْ يَكْفُرْ
بِالطَّاغُوتِ) بالشيطان أو الأصنام ، أو كلّ ما عبد من دون الله أو
صدّ عن عبادة الله. فعلوت من الطغيان ، قلبت عينه ولامه ، يستوي فيه الجمع