الّذي يسمّى النعاس (وَلا نَوْمٌ) وهو حال تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من
رطوبات الأبخرة المتصاعدة ، بحيث تقف الحواسّ الظاهرة عن الاحساس رأسا. وتقديم
السنة عليه ، وقياس المبالغة عكسه ، بناء على ترتيب الوجود.
قال فخر الدين
الجاربردي [١] : «ويرد في خاطري أنّه قدّم السنة على النوم لأنّه ـ والله
أعلم ـ لا يذهب الوهم إلى جواز النوم عليه ، ويدلّ صريح العقل على امتناعه ، لكن
يمكن أن يتوهّم جواز السنة فنفاها ، ثمّ ذكر النوم كالتتمّة للكلام. وبالجملة ،
ذكر السنة أهمّ فقدّمها» انتهى كلامه.
أقول : ويؤيّد
هذا القول ما زعمت اليهود أنّ الله يعرض له التعب واللغوب والفتور من خلق السماوات
والأرض ، فلمّا فرغ من خلقهما يوم الجمعة يستريح يوم السبت.
والجملة نفي
للتشبيه ، وتأكيد لكونه حيّا قيّوما ، فإنّ من أخذه نعاس أو نوم كان مؤف الحياة
قاصرا في الحفظ والتدبير ، ولذلك ترك العاطف فيه ، وكذا في الجملة الّتي بعده ،
وهي : (لَهُ ما فِي
السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فإنّه تقرير لقيموميّته ، واحتجاج على تفرّده في
الألوهيّة. والمراد بما فيهما : ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما ، أو خارجا عنهما
متمكّنا فيهما. فهو أبلغ من قوله : له السموات والأرض وما فيهنّ.
روي : «أن موسى
سأل الملائكة ـ وكان ذلك من قوله كطلب الرؤية ـ : أينام ربّنا؟ فأوحى الله إليهم
أن يوقظوه ثلاثا ولا يتركوه ينام ، ثمّ قال : خذ بيدك قارورتين مملوءتين ، فأخذهما
، وألقى الله عليه النعاس فضرب إحداهما على
[١] هو أحمد بن
الحسين الشافعي ، نزيل تبريز ، من فضلاء تلامذة القاضي البيضاوي ، له : شرح
الشافية ، وشرح منهاج أستاذه ... توفّي بتبريز سنة ٧٤٢. الكنى والألقاب ٢ : ١٢٢.