موسى قد ترى معصية عبادك ، فأرهم آية في أنفسهم حتى يعلموا أنّهم لا
يستطيعون الفرار منك ، فأماتهم الله ثمانية أيّام ثمّ أحياهم.
(إِنَّ اللهَ لَذُو
فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) حيث يبصّرهم ما يعتبرون به ويستبصرون ، كما بصّركم
باقتصاص خبرهم ، أو حيث أحيى أولئك ليعتبروا فيفوزوا ، ولو شاء لتركهم موتى إلى
يوم القيامة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) لما ذكر من النعمة عليهم ، بما أراهم من الآية العظيمة
في أنفسهم ، ليلتزموا سبيل الله ، ويتجنّبوا طريق الردى.
وفائدة ذكر هذه
القصّة حثّ المسلمين على التوكّل والاستسلام للقضاء ، وتشجيعهم على الجهاد
والتعرّض للشهادة.
فلمّا بيّن أنّ
الفرار عن الموت غير مخلص ، وأنّ المقدّر لا محالة واقع ، أمرهم بالقتال ، إذ لو
جاء أجلهم ففي سبيل الله وإلّا فالنصر والثواب.
وقال : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما يقوله المتخلّف والسابق (عَلِيمٌ) بما يضمرانه ، وعلمه محيط بكيفيّة الجزاء وكمّيته.
ثمّ رغّبهم في
الجهاد وبذل الأنفس والأموال فيه ، بقوله : (مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللهَ) «من» استفهاميّة مرفوعة الموضع بالابتداء ، و «ذا» خبره ، و «الّذي» صفة «ذا»
أو بدله. وإقراض الله مثل لتقديم العمل الّذي به يطلب ثوابه (قَرْضاً حَسَناً) إقراضا مقرونا بالإخلاص وطيب النفس ، أو مقرضا حلالا
طيّبا. وقيل : القرض الحسن المجاهدة والإنفاق في سبيل الله (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) فيضاعف جزاءه. أخرجه على سبيل المغالبة للمبالغة ، كما
مرّ في (يُخادِعُونَ اللهَ
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)[١].
وقرأ عاصم
بالنصب على جواب الاستفهام حملا على المعنى ، فإنّ (مَنْ