تعالى ، عقّبه بأنّ من جملة آياته المعتبرة ما أخبر به بقوله : «ألم تر» ،
تقريرا لمن سمع بهذه القصّة لأهل الكتاب ، وتعجيبا من شأنها. ويجوز أن يخاطب به من
لم ير ولم يسمع ، لأنّ هذا يجري مجرى المثل في معنى التعجيب.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) يريد أهل داوردان [١] قرية قبل واسط ، وقع فيهم طاعون ، فخرجوا هاربين ،
فأماتهم الله تعالى ، ثمّ أحياهم ليعتبروا ويعلموا أنّه لا مفرّ من حكم الله (وَهُمْ أُلُوفٌ) أي : ألوف كثيرة. قيل : عشرة آلاف. وقيل : ثلاثون. وقيل
: سبعون. ومن بدع التفاسير معنى ألوف متألّفون ، جمع آلف أو إلف ، كقاعد وقعود ،
والواو للحال (حَذَرَ الْمَوْتِ) مفعول له (فَقالَ لَهُمُ اللهُ
مُوتُوا) أي : قال لهم الله : موتوا فماتوا ، كقوله : (كُنْ فَيَكُونُ)[٢]. والمعنى : أنّهم ماتوا ميتة رجل واحد من غير علّة بأمر
الله ومشيئته. وقيل : ناداهم به ملك ، وإنّما أسند إلى الله تعالى تخويفا وتهويلا (ثُمَّ أَحْياهُمْ).
قيل : مرّ
حزقيل بعد زمان طويل وقد عريت عظامهم وتفرّقت أوصالهم ، فلوى شدقه [٣] وأصابعه
تعجّبا ممّا رأى ، فأوحي إليه : ناد فيهم أن قوموا بإذن الله ، فنادى ، فنظر إليهم
قياما يقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك لا إلا إلّا أنت.
وقيل : هم قوم
من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد ، فخرجوا ثمّ جبنوا وكرهوا الموت ،
فاعتلّوا وقالوا : إنّ الأرض الّتي نأتيها بها الوباء فلا نأتيها حتى ينقطع منها
الوباء ، فأرسل الله عليهم الموت ، فلمّا رأوا أنّ الموت كثر فيهم خرجوا من ديارهم
فرارا من الموت ، فلمّا رأى الملك ذلك قال : اللهم ربّ يعقوب وإله
[١] داوردان بفتح
الواو وسكون الراء : من نواحي شرقي واسط بينهما فرسخ. انظر معجم البلدان ٢ : ٤٣٤.