(يَتَرَبَّصْنَ) خبر في معنى الأمر. وتغيير العبارة للتأكيد والإشعار
بأنّه ممّا يجب أن يسارع إلى امتثاله ، فكأنّهنّ امتثلن الأمر بالتربّص ، فهو
سبحانه يخبر عنه ، كقولك في الدعاء : رحمك الله. وبناؤه على المبتدأ يزيده فضل
تأكيد.
وقوله : (بِأَنْفُسِهِنَ) تهييج وبعث لهنّ على التربّص ، فإنّ نفوس النساء طوامح
إلى الرجال ، فأمرن بأن يقمعنها ويحملنها على التربّص. والمعنى : ينتظرن بأنفسهنّ (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) منصوب على الظرف أو المفعول به ، أي : ينتظرن مدّة
ثلاثة قروء أو مضيّها.
وقروء جمع قرء.
وهو يطلق للحيض ، كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «دعي الصّلاة أيّام أقرائك». وللطهر الفاصل بين
حيضهنّ. وأصله الانتقال من الطهر إلى الحيض ، وهو المراد به في الآية عندنا وعند
الشافعي ، لأنّه الدالّ على براءة الرحم لا الحيض ، كما قالت الحنفيّة ، لقوله
تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَ)[١] أي : وقت عدّتهنّ ، والطلاق المشروع لا يكون في الحيض.
وجاء المميّز
على جمع الكثرة دون القلّة الّتي هي الأقراء ، لأنّهم يستعملون كلّ واحد من
الجمعين مكان الآخر ، لاشتراكهما في الجمعيّة ، ألا ترى إلى قوله : «بأنفسهنّ» وما
هي إلا نفوس كثيرة. ولعلّ القروء كانت أكثر استعمالا في جمع القرء من الأقراء ،
فأوثر عليه ، تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل ، مثل قولهم : ثلاثة شسوع في
موضع أشسع ، لفقد السماع فيه.
(وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ
أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) من الولد والحيض ، استعجالا في العدّة ، وإبطالا لحقّ
الرجعة ، وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلّا ينتظر بطلاقها أن
تضع ، ولئلّا يشفق على الولد فيترك طلاقها ، أو كتمت حيضها وقالت ـ وهي حائض ـ :
قد طهرت ، استعجالا للطلاق. وفيه دليل