وأشقّ ، بيّن وجوه مصارف الأموال الّتي من جملتها الإنفاق في الجهاد ، فقال
: (يَسْئَلُونَكَ ما ذا
يُنْفِقُونَ) أيّ شيء ينفقونه. روي عن ابن عبّاس أنّ عمرو بن الجموح
الأنصارى كان شيخا كبيرا ذا مال كثير ، فقال : يا رسول الله بماذا أتصدّق؟ وعلى من
أتصدّق؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ولمّا كان
السؤال عن الإنفاق يتضمّن السؤال عن مصرف النفقة ، لأنّ النفقة لا يعتدّ بها إلا
إذا وقع موقعها ، فلذلك جاء الجواب ببيان مصارفها ، فقال : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) أي : من مال. وإيثار «خير» على مال للدلالة على أنّه
ممّا ينتفع به ، لأنّ ما لا ينتفع به لا يسمّى خيرا (فَلِلْوالِدَيْنِ
وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) مرّ معناه (وَما تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ) في معنى الشرط (فَإِنَّ اللهَ بِهِ
عَلِيمٌ) جوابه ، أي : إن تفعلوا من عمل صالح يقرّبكم إلى الله
فالله يعلم كنهه ويوفي ثوابه. وليس في الآية ما ينافيه فرض الزكاة لينسخ به.
ثمّ بيّن كون
الجهاد مصلحة لمن أمر به وإن لم يتعلّق علمه بها ، فقال : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ
لَكُمْ) شاقّ عليكم. وهو مصدر نعت به للمبالغة ، أو فعل بمعنى
مفعول ، كالخبز بمعنى المخبوز (وَعَسى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وهو جميع ما كلّفوا به ، فإنّ الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم ،
ومن ذلك القتال ، فإنّكم تكرهونه لما فيه من المخاطرة بالروح ، وهو خير لكم ، لما
فيه من إحدى الحسنيين : إمّا الظفر والغنيمة ، وإمّا الشهادة والجنّة. (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ
لَكُمْ) وهو جميع ما نهوا عنه ، فإنّ النفس تحبّه وتهواه ، وهو
يفضي بها إلى