وتماديه في العظم ، لأنّ الرسل مع اقتدارهم التامّ في تحمّل الشدائد
العظيمة ، متى لم يبق لهم صبر في مثل هذه الدواهي العظمى حتى ضجّوا ، كان البلاء
غاية في الشدّة الّتي لا مطمح وراءها. وقرأ نافع : «يقول» بالرفع على أنه حكاية
حال ماضية ، كقولك : مرض فلان حتى لا يرجونه (مَتى نَصْرُ اللهِ) استبطاء له لتأخّره (أَلا إِنَّ نَصْرَ
اللهِ قَرِيبٌ) استئناف على إرادة القول ، أي : فقيل لهم ذلك إسعافا
لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر.
وفيه إشارة إلى
أن الوصول إلى الله تعالى ، والفوز بالكرامة عنده ؛ برفض الهوى واللّذات ، ومكابدة
الشدائد والرياضات ، كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «حفّت الجنّة بالمكاره ، وحفّت النّار بالشهوات».
وعن قتادة
والسدّي : نزلت هذه الآية يوم الخندق لمّا اشتدّت المخافة ، وحوصر المسلمون في
المدينة ، فدعاهم الله تعالى إلى الصبر ووعدهم النصر.
وقيل : نزلت في
حرب أحد لمّا قال عبد الله بن أبيّ لأصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : إلى متى تقتلون أنفسكم؟ لو كان محمد نبيّا ما سلّط
الله عليه الأسر والقتل.
وعن عطاء :
نزلت في المهاجرين من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينة ، إذ تركوا ديارهم وأموالهم ومسّتهم
الضرّاء.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا
يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ
فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥))
وبعد أن رغّب
العباد بهذه الآية في تحمّل المشاقّ في التكاليف الشرعيّة ، والأمر بالصبر فيها ،
خصوصا في الجهاد الّذي يكون الرياضة والمشقّة فيه أصعب