والإلحاح في الاستطعام على الناس ، فإنّ خير الزاد الاجتناب عن هذا العمل (وَاتَّقُونِ) فيما أمرتكم (يا أُولِي الْأَلْبابِ) فإنّ قضيّة اللبّ خشية الله وتقواه ، ومن لم يتّقه
فكأنّه لا لبّ له. حثّهم على التقوى ، ثمّ أمرهم بأن يكون المقصود بها هو الله
تعالى ، فيتبرّءوا عن كلّ ما سواه ، وهو مقتضى العقل المعرّى عن شوائب الهوى ،
فلذلك خصّ أولي الألباب بهذا الخطاب.
قيل : كانوا
يتأثّمون بالتجارة في الحجّ ، فرفع الله سبحانه التحرّج عمّن يتّجر في الحجّ بقوله
: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا) في أن تطلبوا (فَضْلاً) رزقا وعطاء (مِنْ رَبِّكُمْ) وهو النفع والربح في التجارة. وقيل : كان عكاظ ومجنّة
وذو المجاز أسواقهم في الجاهليّة ، يقيمونها مواسم الحجّ ، وكانت معايشهم منها ،
فلمّا جاء الإسلام تأثّموا منه ، فكفّوا عن البيع والشراء ، فلم تقم لهم سوق ،
فنزلت هذه الآية. وقيل : كان في الحجّ أجراء ومكارون ، وكان الناس يقولون : هؤلاء
الدّاجّ [١] وليسوا بالحاجّ ، فبيّن سبحانه أنّه لا إثم على الحاجّ
في أن يكون أجيرا لغيره أو مكاريا.
(فَإِذا أَفَضْتُمْ
مِنْ عَرَفاتٍ) الإفاضة الدفع بكثرة ، من إفاضة الماء وهي صبّه
[١] الدّاجّ :
الّذين مع الحاجّ من الأجراء والمكارين والأعوان. (لسان العرب ٢ : ٢٦٣)