(فَلا رَفَثَ) فلا جماع عندنا. وقيل : الفحش من الكلام (وَلا فُسُوقَ) ولا كذب عندنا. وقيل : لا خروج عن حدود الشريعة بارتكاب
المحظورات (وَلا جِدالَ) وهو قول : لا والله وبلى والله ، صادقا وكاذبا عندنا.
وقالوا : إنّه المراء والسباب ، أي : لامراء مع الرفقاء والخدم والمكارين (فِي الْحَجِ) في أيّامه. نفي الثلاثة على قصد النهي للمبالغة ،
والدلالة على أنّها حقيقة بأن لا تكون ، وما كانت منها مستقبحة في أنفسها ففي
الحجّ أقبح ، كلبس الحرير في الصلاة ، والتطريب [١] بقراءة القرآن
، لأنّ الحجّ خروج عن مقتضى الطبع والعادة إلى محض العبادة.
وقرأ أبو عمرو
وابن كثير الأوّلين بالرفع على معنى : لا يكوننّ رفث ولا فسوق ، والثالث بالفتح ،
على معنى الإخبار بانتفاء الخلاف ، كأنّه قيل : ولا شكّ ولا خلاف في الحجّ ، وذلك
أنّ قريشا كانت تخالف سائر العرب ، فيقفون بالمشعر الحرام ولا يروحون إلى عرفة ،
ويقولون : إنّا سدنة البيت لا يجوز لنا أن نخرج إلى الحلّ ، وكانوا يقدّمون الحجّ
ويؤخّرونه سنة ، فارتفع الخلاف بأن أمروا بأن يقفوا أيضا بعرفة ، ولا يحجّون إلّا
في الوقت المعيّن المأمور به شرعا ، فقد ارتفع الخلاف في الحجّ.
ثمّ حثّ على
أفعال الخير والبرّ عقيب النهي عن الشرّ ليستبدل به ويستعمل مكانه ، فقال : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) فيجازيكم به أحسن الجزاء (وَتَزَوَّدُوا) لمعادكم بالأعمال الصالحة والخصال الحسنة (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) عن المحارم والقبائح ، وعن عدم الامتثال بأوامر الله
تعالى. قيل : نزلت في أهل اليمن ، كانوا يحجّون ولا يتزوّدون ، ويقولون : نحن
متوكّلون ، ونحن نحجّ بيت الله ، فيكونون كلّا على الناس ، فأمروا أن يتزوّدوا في
طريق الحجّ ، ويتّقوا الإبرام
[١] في هامش النسخة
الخطّية : «التطريب ما يفعل به بعض الأعاجم ، من الألحان المؤدّية إلى زيادة حرف
وتغير حرف. منه».