قلت : المراد
قصر الحرمة على ما ذكر ممّا استحلّوه لا مطلقا ، أو قصر حرمته على حال الاختيار ،
كأنّه قيل : إنّما حرّم عليكم هذه الأشياء ما لم تضطرّوا إليها.
ثمّ عاد الكلام
إلى ذكر اليهود الّذين تقدّم ذكرهم ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ) ويستبدلون بتحريفه (ثَمَناً قَلِيلاً) عرضا حقيرا وهو الرشوة ، أو المراد الوظائف المرسومة
المأخوذة عن رعاياهم كما مرّ (أُولئِكَ ما
يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ) إما في الحال ادّعاء ، لأنّهم أكلوا ما يتلبّس بالنار ،
لكونها عقوبة عليه ، فكأنّه إذا أكل ما يؤدي إلى النار أكل النار ، كقولهم : أكل
فلان الدم ، إذا أكل الدية الّتي هي بدل منه. أو في المآل حقيقة ، أي : لا يأكلون
يوم القيامة إلّا النّار. ومعنى (فِي بُطُونِهِمْ) ملء بطونهم ، يقال : أكل في بطنه ، وأكل في بعض بطنه.
(وَلا يُكَلِّمُهُمُ
اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) عبارة عن غضبه عليهم ، وتعريض بحرمانهم حال مقابليهم ـ وهم
أهل الجنّة ـ في إكرام الله إيّاهم بكلامه والزلفى من الله (وَلا يُزَكِّيهِمْ) ولا يثني عليهم ، ولا يصفهم بأنّهم أزكياء (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم.