عليهم ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي : كلوا من مستلذّات ما رزقناكم ، لأنّ كلّ ما رزقه
الله تعالى لا يكون إلّا حلالا. ثمّ أمرهم بالقيام بحقوقها ، فقال : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) الّذي رزقكم إيّاها وأحلّ لكم ، فإنّ عبادته لا تتمّ
إلا بالشكر (إِنْ كُنْتُمْ
إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) إن صحّ أنّكم تخصّونه بالعبادة ، وتقرّون أنّه المنعم
على الحقيقة. وفي الحديث : «يقول الله : إنّي والجنّ والإنس في نبأ عظيم ، أخلق
ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري».
ولمّا ذكر
سبحانه إباحة الطيّبات عقّبه بتحريم المحرّمات ، فقال : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) أي : أكلها والانتفاع بها ، وهي الّتي ماتت من غير ذكاة
شرعيّة ، والسنّة ألحقت بها ما أبين من حيّ (وَالدَّمَ وَلَحْمَ
الْخِنْزِيرِ) خصّ اللحم بالذكر لأنّه معظم ما يؤكل من الحيوان ،
وسائر أجزائه كالتابع له في الحرمة (وَما أُهِلَّ بِهِ
لِغَيْرِ اللهِ) أي : رفع به الصوت عند ذبحه للصنم. والإهلال أصله رؤية
الهلال ، لكن لمّا جرت العادة أن يرفع الصوت بالتكبير إذا رؤي سمّي ذلك إهلالا ،
ثمّ قيل لرفع الصوت وإن كان بغير التكبير.
(فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ باغٍ) على مضطرّ آخر بالاستيثار لنفسه عليه أو بقصد اللذّة (وَلا عادٍ) سدّ الرمق أو الجوعة. وعنهم عليهمالسلام غير باغ على إمام المؤمنين ، فإنّ نفسه معرّض للقتل في
حكم الدين ، فلا يجوز أن يستبقى (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي : لا حرج عليه في تناوله (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) بما فعل (رَحِيمٌ) بما رخّصه فيه.
قال في المجمع
: «إنّما ذكر المغفرة لأحد الأمرين : إمّا ليبيّن أنّه إذا كان يغفر المعصية فإنّه
لا يأخذ بما رخّص فيه ، وإمّا لأنّه وعد بالمغفرة عند الإنابة إلى طاعة الله ممّا
كانوا عليه من تحريم ما لم يحرّمه الله ، من السائبة والبحيرة وغيرهما» [١].
فإن قلت : «إنّما»
يفيد قصر الحكم على ما ذكر ، وكم من حرام لم يذكر؟