وأمّا السّحاب
المسخّر فيدلّ على أنّ ممسكه هو القدير الّذي لا شبيه له ولا نظير ، لأنّه لا يقدر
على تسكين الأجسام بغير علاقة ولا دعامة إلا الله سبحانه ، القادر لذاته ، لا
نهاية لمقدوراته.
فهذه هي الآيات
الدالّة على أنّه سبحانه صانع غير مصنوع ، قادر لا يعجزه شيء ، عالم لا يخفى عليه
شيء ، حيّ لا تلحقه الآفات ، ولا تغيّره الحادثات ، لا يعزب عنه مثقال ذرّة في
الأرض ولا في السماء ، وهو السميع البصير. استشهد بحدوث هذه الأشياء على قدمه
وأزليّته ، وبما وسمها به من العجز والتسخير على كمال قدرته ، وبما ضمّنها من
البدائع على عجائب خلقته.
وفيها أيضا
أوضح دلالة على أنّه سبحانه المنّان على عباده بفوائد النعم ، المنعم عليهم بما لا
يقدر غيره على الإنعام بمثله من جزيل القسم ، فيعلم بذلك أنّه سبحانه الإله الّذي
لا يستحقّ العبادة سواه.
وفي هذه الآية
أيضا دلالة على وجوب النظر والاستدلال ، وأنّ ذلك هو الطريق إلى معرفته ، وفيها
البيان لما يجب فيه النظر وإبطال التقليد» [١].
وفي الأنوار : «اعلم
أنّ دلالة هذه الآيات على وجود الإله عزوجل ووحدته من وجوه كثيرة ، يطول شرحها مفصّلا. والكلام
المجمل أنّها أمور ممكنة وجد كلّ منها بوجه مخصوص من وجوه محتملة وأنحاء مختلفة ،
إذ كان من الجائز مثلا أن لا تتحرّك السماوات أو بعضها كالأرض ، وأن تتحرّك بعكس
حركاتها ، وبحيث تصير المنطقة دائرة مارّة بالقطبين ، وأن لا يكون لها أوج وحضيض
أصلا ، وعلى هذا الوجه ، لبساطتها وتساوي أجزائها ، فلا بدّ من موجد قادر حكيم
يوجدها على ما تستدعيه حكمته ، وتقتضيه مشيئته ، متعاليا عن معارضة غيره ، إذ لو
كان معه إله