صاحبه الزيادة والنقصان ، وتعلّق ذلك بمجاري الشمس والقمر ، فيدلّ على عالم
مدبّر يدبّرهما على هذا الحدّ ، لا يسهو ولا يذهل من جهة أنّها أفعال محكمة واقعة
على نظام وترتيب ، لا يدخلها تفاوت ولا اختلال.
وأمّا الفلك
الّتي تجري في البحر بما ينفع الناس ، فيدلّ حصول الماء على ما تراه من الرقّة واللطافة
الّتي لولاهما لما أمكن جري السفن عليه ، وتسخير الرياح لإجرائها في خلاف الوجه
الّذي يجري الماء إليه ، على منعم دبّر ذلك لمنافع خلقه ، ليس من جنس البشر ، ولا
من قبيل الأجسام ، لأنّ الأجسام يتعذّر عليها فعل ذلك.
وأمّا الماء
الّذي ينزل من السّماء ، فيدلّ إنشاؤه وإنزاله قطرة قطرة ، لا تلتقي أجزاؤه ، ولا
تتألّف في الجوّ ، فينزل مثل السيل ، فيخرّب البلاد والديار. ثمّ إمساكه في الهواء
ـ مع أنّ من طبع الماء الانحدار ـ إلى وقت نزوله بقدر الحاجة وفي أوقاتها ، على
أنّ مدبّره قادر على ما يشاء من الأمور ، عالم حكيم خبير.
وأمّا إحياء
الأرض بعد موتها ، فيدلّ بظهور الثمار وأنواع النبات وما يحصل به من أقوات الخلق ،
وأرزاق الحيوانات ، واختلاف طعومها وألوانها وروائحها ، واختلاف مضارّها ومنافعها
في الأغذية والأدوية ، على كمال قدرته ، وبدائع حكمته ، سبحانه من عليم حكيم ، ما
أعظم شأنه!!
وأمّا بثّ كلّ
دابّة فيها ، فيدلّ على أنّ لها صانعا مخالفا لها منعما بأنواع النعم ، خالقا
للذوات المختلفة بالهيئات المختلفة في التراكيب المتنوّعة ، من اللحم والعظم ،
والأعصاب والعروق ، وغير ذلك من الأعضاء والأجزاء المتضمّنة لبدائع الفطرة وغرائب
الحكمة ، الدالّة على عظيم قدرته وجسيم نعمته.
وأمّا الرياح ،
فيدلّ تصريفها بتحريكها وتفريقها في الجهات ، مرّة حارّة ومرّة باردة ، وتارة لينة
وأخرى عاصفة ، وطورا عقيما وطورا لاقحة ، على أنّ مصرّفها قادر على ما لا يقدر
عليه سواه ، إذ لو اجتمع الخلائق كلّهم على أن يجعلوا الصبا