ولمّا ذكر الله
سبحانه امتحان العباد بالتكليف والإلزام مرّة ، وبالمصائب والآلام أخرى ، ذكر
سبحانه أنّ من جملة ذلك أمر الحجّ الّذي يتضمّن المشاقّ الكثيرة والمتاعب العظيمة
، فقال : (إِنَّ الصَّفا
وَالْمَرْوَةَ) هما علما جبلين بمكّة (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) من أعلام مناسكه ، جمع شعيرة وهي العلامة ، أي : هما من
أعلام مناسكه ومتعبّداته (فَمَنْ حَجَّ
الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ). الحجّ لغة القصد ، والاعتمار الزيارة ، فغلبا شرعا على
قصد البيت وزيارته على الوجهين المخصوصين ، فهما في المعاني كالنجم والبيت في
الأعيان. ومعناه : إذا قصده لأجل أداء النسكين المعروفين (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) أصله : يتطوّف ، فأدغم.
وإنّما قال : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ) والسعي بينهما واجب ، لأنّه كان على الصّفا أساف ، وعلى
المروة نائلة ، وهما صنمان ، يروى أنّهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة ، فمسخا
حجرين ، فوضعا عليهما ليعتبر بهما ، فلمّا طالت المدّة عبدا ، وكان أهل الجاهليّة
إذا سعوا مسحوهما ، فلمّا جاء الإسلام وكسرت الأوثان تحرّج المسلمون الطواف بينهما
لأجل فعل الجاهليّة ، ورفع عنهم الجناح بهذه الآية ، والإجماع على أنّه مشروع في
الحجّ والعمرة.
(وَمَنْ تَطَوَّعَ
خَيْراً) أي : من تبرّع بالسعي بين الصفا والمروة بعد ما أدّى
الواجب من حجّ أو عمرة ، أو من تطوّع بالخيرات وأنواع الطاعات. ونصبه على أنّه صفة
مصدر محذوف ، أو بحذف الجارّ وإيصال الفعل إليه ، أو بتعدية الفعل ، لتضمّنه معنى «أتى»
أو «فعل». وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب : يطّوّع ، وأصله : يتطوّع ، فأدغم ، مثل :
يطّوّف (فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ) مثيب على الطاعة (عَلِيمٌ) لا يخفى عليه