وفي هذه الآية
دلالة على أنّ السعي بين الصفا والمروة عبادة. ولا خلاف في ذلك ، وإنّما الخلاف في
وجوبه ، فهو عندنا واجب في الحجّ والعمرة بالإجماع ، وبه قال الحسن وعائشة. ومذهب
الشافعي أنّه واجب وركن. وقال : إنّ السنّة أوجبت السّعي ، وهوقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كتب عليكم السعي فاسعوا».
وعن أحمد :
سنّة ، وبه قال أنس ، لقوله تعالى (فَلا جُناحَ). وهو ضعيف ، لأنّ نفي الجناح يدلّ على الجواز الداخل في
معنى الوجوب ، فلا يدفعه. وعن أبي حنيفة : أنّه واجب يجبر بالدم.
ثمّ حثّ الله
سبحانه على إظهار الحقّ وبيانه ، ونهى عن إخفائه وكتمانه ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) كأحبار اليهود (ما أَنْزَلْنا مِنَ
الْبَيِّناتِ) الحجج الدالّة على صحّة نبوّة محمد المكتوبة في كتابهم
الشاهدة عليها. وهو جمع بيّنة ، فعيلة من البيان ، وهو ظهور الحقّ ، وكلّ ما قام
به حقّ يسمّى بيّنة وحجّة وبرهانا (وَالْهُدى) وهو ما يهدي إلى وجوب اتّباعه من الأدلّة الهادية إلى
نعته ، والأمر باتّباعه والإيمان به. وقيل : المراد بالأوّل الأدلّة النقليّة ،
وبالثاني الأدلّة العقليّة (مِنْ بَعْدِ ما
بَيَّنَّاهُ) لخّصناه للناس (فِي الْكِتابِ) في التوراة ، بحيث لم ندع فيه موضع إشكال ولا اشتباه
على أحد منهم ، فكتموا ذلك المبيّن الملخّص (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ
اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) أي : الّذين يتأتّى منهم اللعن عليهم من الملائكة
ومؤمني الثقلين.