واحدة ، وكأنّكم حاضري المسجد. (إِنَّ اللهَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على الإماتة والإحياء والجمع.
(وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ) ومن أيّ بلد خرجت للسّفر (فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) إذا صلّيت (وَإِنَّهُ) وإنّ هذا المأمور به (لَلْحَقُ) للثابت الّذي لا يزول بنسخ (مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا
تَعْمَلُونَ). وقرأ أبو عمرو بالياء. وهذا تهديد لهم في المخالفة.
(وَمِنْ حَيْثُ
خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ
فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) كرّر هذا الحكم لتعدّد علله ، فإنّه تعالى ذكر للتحويل
ثلاث علل : تعظيم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بابتغاء مرضاته ، وجري العادة الإلهيّة على أن يولّي
أهل كلّ ملّة وصاحب دعوة وجهة يستقبلها ويتميّز بها كما وقع في كتب أهل الكتاب ،
ودفع حجج المخالفين على ما يبيّنه. مع أنّ القبلة لها شأن ، والنسخ من مظانّ
الفتنة والشبهة ، فالحريّ أن يؤكّد أمرها ويعاد ذكرها مرّة بعد أخرى.
(لِئَلَّا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) علّة لقوله : (فَوَلُّوا). والمعنى : أنّ التولية عن الصخرة إلى الكعبة تدفع
احتجاج اليهود بأنّ النبيّ المنعوت في التوراة قبلته الكعبة ، وأنّ محمّدا يجحد
ديننا ويتّبعنا في قبلتنا ، ويدفع احتجاج المشركين بأنّه يدّعي ملّة إبراهيم
ويخالف قبلته.
(إِلَّا الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْهُمْ) استثناء من الناس ، أي : لئلّا يكون لأحد من الناس حجّة
إلّا المعاندين منهم ، فإنّهم يقولون : ما تحوّل إلى الكعبة إلّا ميلا إلى دين
قومه وحبّا لبلده ، ولو كان على الحقّ للزم قبلة الأنبياء ، أو بدا له فرجع إلى
قبلة آبائه ، ويوشك أن يرجع إلى دينهم. وتسمية هذه حجّة مثل قوله : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ)[١] لأنّهم يسوقون مساقها. وقيل : الحجّة بمعنى الاحتجاج.